رسائل اليقظة
من حيل المنافقين المكشوفة أن يطعنوا في شرائع الإسلام وشعائره ثم يختموا طعنهم بمقولة (الإسلام بريء من كذا)، وكأن هذه العبارة صك براءة يسمح لهم بإنكار ما يشاؤون من الشرائع، وهي مجرد مخادعة سخيفة لا تغير شيئا من حكم تكذيب شرائع الدين والطعن في أحكامه
عندما تكون النعمة في نظرك هي مصالحك الدنيوية التي تفرح ببقائها رغم فقدها في من حولك، ثم لا تبالى بما يذهب من مصالح الدين ولا تهتم لانتهاك محارم الله ﷻ وفشو المجاهرة بمعاصيه وغياب مظاهر شعيرة إنكار المنكر التي أنت بتخاذلك أحد أسباب غيابها.. فاعلم أن لديك اختزالا بل انقلابا شاملا في المفاهيم، وسوف تدرك حجم الزيف والغفلة لكن ربما بعد فوات الأوان
هناك اتساق واضح بين كون الإسلام يعني التسليم لله وبين كون ما أراد الله من عباده المسلمين واضح المعالم، لذا كان ما يقتضيه التسليم من العمل بما شرع الله ممكنا وفق أحكام مفصلة شاملة
ولذلك كل محاولة لقولبة الإسلام في ظل عبارات وشعارات عامة مجملة فضفاضة هي من قبيل تحريف الدين والجناية عليه، ومن يريد الإسلام فهو مفصل واضح ولا يقبل التجزئة ولا القولبة ولا إعادة الصياغة ولا التوظيف ولا توليد النسخ منه (اسلام كذا واسلام كذا) ، وسيظل مستعصيا على ذلك مهما حاولته الأهواء
لا يمكن أن نستمد المعنى الحقيقي لوجودنا والقيمة الوجودية لأنفسنا بدون أن نرتبط بعبودية خالقنا وحبل وحيه المتين.. ما سوى ذلك أوهام صغيرة وحبال منقطعة لن توصل لشيء مهما امتدت في تاريخ أرضي أو غارت في أرض تاريخية!
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (إن حقا على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) رواه البخاري .
قال ابن القيم رحمه الله مبينا أحد أهم مسالك التلبيس ومنهجية التعامل معه :
” ولأرباب المقالات أغراض في سوء التعبير عن مقالات خصومهم، وتخيرهم لها أقبح الألفاظ، وحسن التعبير عن مقالات أصحابهم، وتخيرهم لها أحسن الألفاظ.. وصاحب البصيرة لا تهوله تلك العبارات الهائلة، بل يجرد المعنى عنها، ولا يكسوه عبارة منها.. فحينئذ يتبين له الحق من الباطل “.
(مفتاح دار السعادة ٢/٤٥٨ نقلا عن مقاصد الأحكام المالية عند الإمام ابن القيم ص٧٢)
للغزالي كلام جيد في خطورة تحريف الفتوى بالرأي ومخالفة النص بدعوى المصلحة، فقال تعليقا على فتوى شاذة جاءت على هذا المنوال:
“وفتح هذا الباب..يؤدي إلى تغيير جميع حدود الشرائع..بسبب تغير الأحوال،ثم إذا عرف ذلك من صنيع العلماء لم تحصل الثقة..بفتواهم،وظنوا..مايفتون به..تحريف من جهتهم “
أقول: لهذا نصب أهل المكر الحبائل لكثير من المفتين، ليفتوا بمايسقط قيمة العلم وشأن أهله ليسهل عليهم قتل قيمة الشرع في القلوب
والله المستعان
مآلات أتوقعها للموجة التشكيكية :
زيادة التعمق في فهم التباين بين الإسلام وبين الفلسفات المنحرفة.. زيادة عمق وقوة الطرح الناقد لهذه الفلسفات.. زيادة الوعي الشرعي في مناطق التصادم الفكري.. تطور نوعي في التمسك بالدين وإن حصلت انتكاسات ملحوظة كميا سيقابلها على المدى المتوسط تصاعد في الوعي يحاصرها من جديد
الإسلام قادم..
عندما يقرر أفذاذ علماء الأمة المتقدمين كالشافعي رحمه الله أن السنة لا تخالف كتاب الله أبدا، فإن المقطوع به أن ما تغير في زماننا هو سوء الفهم في أذهان من يتشدقون برد السنن الثابتة بدعوى هذه المخالفة، وحقيقة الأمر أن عقولهم حشيت بأفكار عصرية لا يمكن أن تسمى عقلا أو يختزل فيها العقل
أحد المتسلقين المتلونين وضع صورة جعل فيها الصليب الذي يرمز لشرك النصارى رمزا لعيسى عليه السلام، وعلق عليه بآية {لا نفرق بين أحد من رسله}، معرضا عن قوله:{لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}
مثل هذا لا يمكن أن يصدر عمن شم رائحة الإسلام، وويل له من هذه الافتراءات وليبشر بعاقبة السوء إن لم يتدارك نفسه
لن تنجح هذه الحملة السمجة لتشويه الأنبياء ابتداء بإبراهيم الحنيف الذي ما كان يهوديا ولا نصرانيا بل حنيفا مسلما وما كان من المشركين، ومرورا بموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين
امحوا الآيات من المصاحف إن استطعتم فالله قد حكم بأنه سيظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون
﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾
[التوبة: ٣٣]
لا يصح الإسلام مع تعظيم دين آخر معه
علق الذهبي على قصة الصحابي عبد الله بن حذافة مع ملك الروم وما يوحي به موقفه من احتمالية إيمانه سرا :
” وكذا القول في هرقل إذ عرض على قومه الدخول في الدين ، فلما خافهم قال : إنما كنت أختبر شدتكم في دينكم .
فمن أسلم في باطنه هكذا ، فيرجى له الخلاص من خلود النار ؛ إذ قد حصل في باطنه إيمانا ما وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام وللرسول ، واعتقد أنهما حق ، مع كون أنه على دين صحيح ، فتراه يعظم للدينين ، كما قد فعله كثير من المسلمانية الدواوين فهذا لا ينفعه الإسلام حتى يتبرأ من الشرك ” .
قد تصح المعلومة ويخطئ الفهم، خاصة في القضايا المعقدة التي تؤثر فيها عوامل متعددة، فإن المهم فيها ليس معرفة المؤثرات فقط، وإنما يهم أيضا وزن كل عامل وأين تضعه
ولهذا ينزلق كثير من الناس لتحليلات واهية لمجرد مقطع محبوك مثلا يركز على معلومة معينة صحيحة في ذاتها، لكنها لا تمثل إلا جزءا من الصورة الكاملة
ومنهم من يرتقي لاستيعاب تعدد جوانب القضايا لكنه يفشل في وزن تأثير كل جانب فيقع أيضا في تحليل ضعيف للقضية
ومن الجيد في هذه الحالات أن يرفض الإنسان الأحكام المختزلة أو المتعجلة ويعترف بقصوره وحاجته لجهد في البحث والتأمل، ثم يبذل ذلك الجهد أو يتوقف ويراقب إلى أن يشكل رأيا أكثر تكاملا ودقة، أو يستمر في توقفه وعدم جزمه
-من المهم لأي شخص يريد النجاح في حياته الدنيا والآخرة أن يكون صاحب أهداف، فالسائر بلا هدف يضيع وقته وينفذ زاده ولا يصل لشيء
وهكذا الحياة، تنتهي بلامنجزات تذكر إذا كانت بلا أهداف .. !
إن الهدف الأكبر للإنسان محدد، وعالمنا كله هُيء لحياتنا لكي نسعى لهذا الهدف، والرسل أرسلت والكتب أنزلت لأجل تهيئتنا للوصول له.. قال تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وقال في نعيم الجنة : {ورضوان من الله أكبر}
إن هذا الهدف الأكبر يتحقق من خلال الاهتمام بما خلقنا له، وكل أهدافنا الفرعية ينبغي أن تتفرع عن ذلك.. كل تفاصيل حياتنا يجب أن تتناغم معه، كما قال تعالى : {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، فتعيش وهمك الآخرة والرضوان فيقوى قلبك وتعان.. جاء عنه صلى الله عليه وسلم : ( من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ)
وعامود هذا الأمر كما دل الحديث هي الصلاة، فهي توجهك نحو هدفك وتأخذك من المشتتات لتجمع همك عليه، ويتحقق ذلك بقدر ما تحقق لها من الاهتمام والخشوع
والقرآن يغرس فيك هذه المعاني وغيرها مما تحتاجه للنجاح، فكل ما كنت منه أقرب كنت لذلك أقرب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
جاء القرآن موعظة يذكر الإنسان بحقيقته وحقيقة الدنيا، مخبرا عن أحوال الناس في الآخرة، معرفا الإنسان بربه ليحبه ويعظمه، مذكرا له بحقه مخوفا عقابه مرجيا ثوابه، قاصا له أحسن القصص التي تكشف أحوال أهل الصراط المستقيم ومآلاتهم، وأحوال أهل السبل المغضوب عليهم والضالين ومآلاتهم، وفي ذلك وغيره ما يكفي لصلاح القلب ويقظته من كل غفلة
أحدث التعليقات