كلمات في التوحيد
كلمات في التوحيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
اعلم أخي أنه لا نجاة لك إلا بالاستمساك بالعروة الوثقى، والعروة من الشيء هو ما يستمسك به منه، وهي هنا لا إله إلا الله، والتمسك بها يكون بالإيمان بالله والكفر بالطاغوت. كما قال تعالى:
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)﴾
والإيمان بالله ليس مجرد تصديق بوجوده، بل تصديق به بأسمائه وصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، وانقياد له بالطاعة، وإخلاص له بالعبادة بكل أنواعها، وغاية المحبة والتعظيم له، فهو وحده الإله الحق المستحق لذلك
والطاغوت هو كل من طغى أو طغى فيه الناس فتجاوز به الحد، من جهة العبادة والطاعة والاتباع، والطاعة والاتباع متى كانت غير تابعة لطاعة الله وجعلت لذات المطاع تعظيما لأمره ولو خرج عن الشرع، صارت عبادة له وطغيانا منه وفيه
قال ابن القيم رحمه الله في تعريف الطاغوت: كل ماتجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لايعلمون أنه طاعة الله
فالاستمساك بلا إله إلا الله يتضمن لزوما الإيمان به والكفر بالطاغوت، ففيه موقف إيجابي وآخر سلبي، ولاء لله وحده وبراءة مما يعبد من دونه
ولا شك أن في البراءة جهدا إضافيا، فبها تحصل مخالفة الأهواء وأهلها، وتعظم الغربة في الله لقلة من يحقق ذلك، لكن دون النجاة الكبرى يهون كل تعب
وإذا تأملت دعوات الرسل وجدت اكتمال الجانبين هو الدافع للدعوة والبذل، وإلا لكان في العزلة أو المسايرة للآخرين إتيان ببعض معاني الإيمان الناقص دون مصادمة، وقد أبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا لكان ملك قومه بلا منازع من أول لحظة، ولكنه أتى بما يميز الحق من الباطل داعيا إليه محتملا في ذلك ما احتمل
والناس مراتب في تحقيق ذلك، فأعلاهم الرسل، ثم أتباعهم بحسب منزلة الإيمان التي بلغوها، وقد نجد في ثنايا دعوة الرسل تنوعا في طريق التمسك بالحق، بين لين وشدة، ومواجهة واستخفاء وهجرة، فليس المقصود أن يكون الإنسان على حالة واحدة لا حكمة فيها، لكن حال القلب لا يتغير تحت أي ظرف، فهو ممتلؤ عزة بالله وحده وبراءة مما يعبد من دونه
وكما يحصل الانحراف في التقصير في الجانب السلبي، يحصل كذلك في التقصير في الجانب الإيجابي، فيكاد أن يتحول الإيمان والتوحيد عند بعضهم إلى موقف سلبي مجرد بعيدا عن تحقيق العبودية التي تقوم على المحبة والتعظيم والعمل بما يرضي الله تعالى، فنجد نفوسا خاوية من التزكية، ترفع سيف البراءة على المخالفين بتجن وبغي يشير إلى سوء فهم وسوء قصد أحيانا
كما يحصل الإشكال في الإفراط، فيظن بعضهم أن الكفر بالطاغوت محصور في الإتيان بلوازمه من البراءة وخصوصا التكفير لمن وقع في بعض المكفرات، فيرى أن تحقيق التوحيد هو في الحكم على أعيان هؤلاء، وإذا رأى من يتأول في عذرهم ويتورع عن تكفيرهم رماه بعدم تحقيق التوحيد وعدم الكفر بالطاغوت
والتكفير هو حكم شرعي يحتاج لعلم وبصيرة بمناطات مسائل التكفير وشروطه وموانعه، وفيه قدر لازم ظاهر يتمثل في أهل الملل الأخرى ممن لم يظهر التوحيد وينقاد له، وفيه قدر خفي لا يلزم كل أحد، وهو الحكم على من أظهر الشهادتين من أهل القبلة، فهذا في الجملة يخفى طريق تحقيقه على كثير من المسلمين، فلا يصح أن يجعل من أصل الدين ويوقف الكفر بالطاغوت عليه بإطلاق كما يفعل بعض الغلاة، بل يفصل فيه ويعطى منزلته، فاللوازم ليست على درجة واحدة من الظهور، والناس ليسوا على درجة واحدة في الإدراك والفهم
ويبقى أن جوهر الكفر بالطاغوت وأساسه متعلق بنفس الطاغوت، والتوحيد أساسا يتمثل في عبادة الله والكفر بما يعبد من دونه، كما جاء في الحديث (مَنْ قال لَا إلهَ إلَّا اللهَ ، وكفَرَ بِما يعبُد مِنَ دونِ اللهِ ، حرُمَ مَالُهُ ، ودَمُهُ ، وحسابُهُ على اللهِ)، ثم يلزم من ذلك الولاء لأهل هذه الكلمة والبراءة ممن خالفها، وضمن ذلك من يخالف أصلها بظهور ومن يقع في الإخلال بها بدرجات قد توجب التفصيل في الحكم، فلا يصح أن يجعل أصل الكفر بالطاغوت في تفاصيل اللوازم التي يتطرق لها الاجتهاد في تحقيق المناط
والله الهادي إلى سواء السبيل
أحدث التعليقات