استحالة النسوية الإسلامية

ثمة أطروحة مفادها أن النسوية يمكن أن تكون حركة للمطالبة بحقوق المرأة دون الخروج عن المرجعية الإسلامية

– وحقيقة الأمر لمن تأمله بعمق أن هناك عنصرا جوهريا لا يمكن أن ينزع من النسوية، ولو نزعناه لانهارت تماما، وهو أنها تحمل حزمة من القضايا التي تهدف لتقليل سلطة الرجل وتفوقه، ومهما اختلفت النسويات في موقفهن من القضايا بعدا وقربا، فإنهن سيحملن حزمة من تلك القضايا قد تختلف محتوياتها من امرأة لأخرى، لكنها تجتمع على قيمة مركزية هي التحيز للأنثى ضد سلطة وفوقية الرجل

– ويمكن أن نسمي ذلك بتحزيم القضايا ضمن المبدأ النسوي، وهذا التحزيم ضمن المبدأ هو سمة لا تنفك عن النسوية، ولابد أن يؤدي لإشكالات شرعية في القضايا، لأن المرجعية لم تعد خالصة للشرع بل صار فيها قيمة عليا أخرى وهي هذا المبدأ المتحيز

– لذلك قد تجد نسوية تنكر القوامة تماما وتدعي أنها مرتبطة مثلا بسياق تاريخي ولا تصلح للعصر ، ونسوية أخرى أكثر تدينا ربما ترى أنها مبدأ قائم ولكن تنازع في تطبيقاته التفصيلية لا بناء على معايير منهجية موضوعية، بل بناء على خليط من المعايير والتحيزات للجنس

– لذلك فإننا لا نستطيع أن نجرد النسوية من تحزيم الأفكار الذي يوجد فيها ضمن ذلك التحيز والخلط في المرجعيات، على الرغم من أننا لو حاولنا اختزال النسوية في قضايا جزئية فسنجد بعض تلك القضايا مشروعة، لكن الحزمة تتجه بكليتها لمنازعة سلطة الرجل وتمكين المرأة من الاستقلال التام عنه، وهذا يتعارض مع مبدأ القوامة وبعض الأحكام، وفي نفس الوقت نظرا لاختلاط مرجعيات التحزيم الموجود فسنجد أنه يتعارض مع أشياء أخرى يرفضها الشرع من قبيل العادات الفاسدة والظلم، وهذا يشكل إغراء للمرأة المسلمة وعنصر جذب للدخول تحت اللافتة النسوية

– لذلك فإن الموقف الصحيح هو الرفض للتترس بالنسوية للمطالبة بالحقوق، ولو ادعى أصحابه أن ذلك ينطلق من مرجعية إسلامية، لأنه يستحيل أن يكون كذلك ما دام التحزيم موجودا، فإذا انفكت القضايا عن الخيط الرابط للحزمة أمكن تحكيم المرجعية في كل قضية بحسبها بانضباط، ولا يضر تعددها بعد ذلك ما دام أن الرابط والخيط الناظم لا يأتي من نسق فكري آخر فيه تحيز لجنس النساء ومبدأ منازعة قوامة الرجل، وحينها يمكن أن ينتظم الرجال والنساء المخلصين دون تحيز ولا تحرج على هذه القضايا

– وثمة نقطة أخيرة مغفول عنها كثيرا، وهي أن نرجع القضايا لأصولها تتبعا لمكمن الخلل، فهل قضايا المرأة هي قضايا معزولة أو جزء من نسيج من مشاكل اجتماعية تنتظر حلولا شمولية غير متحيزة؟ اترك الجواب عائما لمن يحب أن يسرح ويفكر بعمق