رسائل التفكر

  المتنزه يرى الخضرة ويقطف الورود .. والمزارع يعالج الأتربة ويكافح الدود..

المتنزه يرى الطبقة الخارجية ولا يعلم ما وراءها من الكد وما تحتها من المؤذيات.. فلا عجب أن يغتر ويرى جزء الصورة ويعيش في لحظة غير واقعية

غير أن الله من رحمته وصف لنا هذه الدنيا بحقائقها وحذرنا الاغترار بها وضرب لنا الأمثال لنعتبر، ووصف لنا دار السلام التي يخلص نعيمها من كل أذى

وقفة سابقة مع حقيقة الدنيا في القرآن

أعطينا بهذه الحياة نعمة السير في طريق العبودية إلى الحياة الحقيقية، فمن شكر وصبر وصل إلى سعادة أبدية، ومن كفر قطع على نفسه السير وكان في شقاء أبدي.. نسأل الله العافية

كل لذة دنيوية تفنى وكل قوة سيعقبها ضعف، فما الهدف من هذه الحياة إن لم تكن محطة لحياة خلود ليس فيها تكدير؟؟ إنه لشقاء أن لا نعيش لذلك، أو غفلة تغلف هذه الحقيقة التي ستتكشف وتفجأ كل إنسان، فيندم بعد فوات الأوان

في الدنيا من الآلام ما لا طاقة لك به إن لم تستعن بالإيمان.. المسألة من اختيارك ولكن لن تتحمل الخيارات الأخرى وسينكسر قلبك عند أول امتحان، ولو حصل هذا فلن يجبره أيضا إلا الله تعالى

لكي نضع الأمور في حجمها الصحيح نحتاج لتذكر حقيقة أننا في حالة عبور سريع إلى مستقر أبدي.. فتهون كثير من الأشياء
كلما كان ذلك أكثر حضورا كلما كنا أكثر اتساقا مع الحقيقة

مجرد التفكير في محدودية دنيانا مقابل سعة المعاني التي تخوضها عقولنا ينبّه أنّ من وهب هذه السعة لايمكن أن يختزلها بهذا الضيق

لايوجد فشل في عمل اجتهدت فيه لله، لأن العمل يعتبر عبادة بنيته لا بنتيجته

وهذا المعنى أعظم من قولهم أن من فشل كذا مرة اكتشف كذا طريقة خاطئة وطريقة أخيرة صحيحة.. فلو لم يكتشف الأخيرة لكان فاشلا تماما!

إعادة تعريف النجاح حسب المنظور الحقيقي للوجود!

‏ليس بالضرورة أن يكون في يدك كتاب أو قلم لتكون مستغلا لوقتك..قد يكون أعظم استغلال لحظة خلو لتفكر ومحاسبة يصلح بها قلبك

جانب الحماية والدفع هو من أبواب التفكر في النعم التي نغفل عنها كثيرا، فكم من الشرور الحسية والمعنوية صرفت وتصرف عنا ونحن لا نشعر، و أحيانا عندما تسجد جباهنا لله ونحن ننتظر العطايا، ننسى أن قيومية الله التي لا تنقطع هي ما نقوم به أصلا

من المواقف المهيجة للمشاعر موقف الوقوف على مكان تربيت فيه وفارقته سنين طويلة، فكلما عدت إليه تثور في نفسك التأملات.. وتقول: كل هذه السنين مرت؟ وكأنها لحظة! ماذا كتب فيها من عمل؟ وماذا بقي بعد كل هذا؟

ومتى سنقف هذا الموقف على الحياة كلها، فإذا هي كأنها لحظة.. وإذا..

  تأمل  .. من عظم بعض ⁧ النعم ⁩ بحياتنا أنها تبدأ كبذرة ثم تصير شجرة تطرح ثمارا متجددة ⁧

تأمل⁩ مثلا الزواج ومايترتب عليه من نعم دائمة ومصالح متجددة

‏⁧ وتأمل⁩ الهداية كيف يترتب عليها زيادات في الهداية ومصالح متسلسلة في الدنيا ونعيم أبدي بالآخرة.. فالله جل جلاله المنعم الواسع وإنعامه واسع

‏ولو أمعنت ⁧ التأمل⁩ في هذا المعنى لعلمت عظم شأن ⁧ الشكر ⁩ ولذا عدّه ⁧ ابن القيم ⁩ نصف ⁧ الإيمان ⁩ ونصفه الآخر ⁧ الصبر ⁩.. فلنتعبد الله حمدا وشكرا وصبرا

‏واعلم أن لكل نعمة صلة بنعم أخرى، فالماء الذي تشرب لم يأتيك إلا بوسائل هي نعم، ولم يجلب إلا بنعم، ولم ينزل إلا بنعم، ولم يتبخر إلا بنعم، فلم يتبخر إلا بخلق البحر وهو جزء من الأرض، والأرض من المجرة وهكذا..

ولذلك ذكر بعضهم أن أي معصية هي كفر بكل نعمة في السماوات والأرض! فإن عصيت بعينك فالعين مفتقرة للدماغ والدماغ للقلب وهو للرئة وهكذا، ثم الجسد مفتقر للغذاء والماء وهذا التسلسل يتصل بكل ⁧ النعم ⁩ ..

‏ثم إن من العاقبة الحميدة لاستشعار النعمة أن يشعر بقيمتها فيجد لها لذة لايجدها الغافل عنها، وتلك نعمة فوق النعمة، فسعة إنعام الله سلسلة لاتنقطع

فسبحان المنعم

‏عنوان الشقاء: الركض للدنيا على غير ⁧ هدى ⁩ من الله
‏عنوان ⁧ السعادة ⁩: السعي للآخرة على هدى من الله

‏الدنيا مزرعة الآخرة فأحسن زرعك تجني ثمارا يانعة

‏عندما تضطر لتقريب الوردة والبقاء بجانبها لتستمتع بأريجها.. تذكر موطنا دائم نعيمه بلا كلفة

‏إنّه الجنة

‏فاعمل فما عند الله سبحانه خير وأبقى

تعليقا على وفاة جار قديم بلغني خبر وفاته للتو :

كان له مسجد ملحق بقصره
وكان ثريا جدا

نلقاه في الصلوات فقد كان محافظا عليها

حسن الخلق طلق الوجه

نظراته فيها عطف وترحيب.. يجعلك تحبه وتألف رؤيته وتفتقده إذا غاب

له موقف مؤثر حصل أمامي.. في فجر يوم من الأيام دخل المسجد عامل نظافة، وثيابه كأن فيها اتساخ.. فكلمه الرجل في أن يبدل ملابسه إذا دخل المسجد.. فولى العامل، فما لبث جارنا حتى التفت إليه ووجه مصفر يقول: كأني كسرت خاطره، فلحق به وواساه بمال واسترضاه!

قليل من يحس بمشاعر الآخرين خاصة إذا كان له مبرر فيما قال وفعل تجاههم، وخاصة تجاه من لا يبالي بهم الناس في العادة، ناهيك عن أن يبالي بهم أهل الغنى والثراء

وهذا الرجل حسب علمي من أسرة اغتنت بعد فقر

ولله حكمة في أن يحصل ذلك لبعض الناس فيكون في قلوبهم شعور قوي بالآخرين لأنهم كانوا مثلهم

رحمه الله وغفر له وأعلى منزلته

‏تخيل لو كنت تحتاج لإرادة لتلك العمليات الحيوية التي تتم بجسدك، من تنفس ونبض قلب وهضم وتغذ وغير ذلك، متى كنت ستنام أو تفكر في شأنك ؟؟‎

تفكر في عناية الله ورحمته بك. استشعر نعمته وأشكر فضله

عظمة الخلق دليل على الرب سبحانه، وكذلك تسخير هذا الخلق للإنسان، فقد جعل الله العقل له دون مامعه من خلائق، ليكون مناطا لتكليفه، ووسيلة لتسخير المخلوقات لغذائه ولباسه وركوبه ومواد عيشه، وما لايقدر الإنسان على تسخيره بفعله مما بعد كما في السماء، فقد سخره الله له وأجراه في قوانين تخدمه..

أفلا يتفكر الإنسان في صنع الله كيف خلق فسوى وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، ليعتبر الإنسان ويفكر في وجوده ومصيره وينصب لما خلق له..

ومع ذلك كله فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب آيات في ذاتها، ومتضمنة التذكير بهذه الآيات المخلوقة ووجوه دلالاتها.. وهذا من رحمته سبحانه بعباده

وجود المعلومات مخزونة في الحمض النووي أمر عظيم ومبهر.. لا يستطيع الإلحاد تجاوز هذه الحقيقة ولا تفسيرها بشكل مادي، فهي موجودة منذ نشأة الحياة، وطبيعتها علم يستلزم عالما، فالمعلومات عموما لا وجود لها ذا معنى إلا بعالم، ولا معنى لتمثيلاتها المادية بالأحرف وغيرها إلا بذات مدركة تعلمها

انظروا (في هذه القصة) كيف لطف الله ورحمته وبركة العمل الصالح وأثره الحسن على حسن الخاتمة

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس

وهناك فرق بين غلبة حصول الموت قريبا وبين معاينة الموت ونزوله كما يحصل أثناء خروج الروح، أو كما نص بعض أهل العلم في الغريق والحريق، فالحال الأخير هو الذي ينافي صحة التوبة لا الأول

اتصال أصدقاء الطفولة ممن باعدت بيننا وبينهم الظروف سنينا أمر مبهج

والوفاء عموما من أجمل ما يتخلق به الإنسان

فتح لي صديقي باتصاله باب تأمل في جمال هذا الخلُق وجمال من خلقه سبحانه..

لنكن لإخواننا أوفياء ولنحب لهم ما نحب لأنفسنا، فهكذا علمنا الإسلام..

في اللحظة الأخيرة رغم ظهور الآيات يستمر بعض الناس في تلقف آخر خيط يربطه بعالم المادة المحسوسة لعل وعسى أن يجد مهربا من عالم الغيب ليستمر في رحلة الهوى المؤقتة التي يريد أن يستديمها

سيستمر هذا النوع من البشر في الوجود رغم ما يظهر من آيات.. فهو من نظائر ابن نوح الذي رفض سفينة الوحي في تلك اللحظة الحاسمة واعتصم بجبل السبب المادي المحسوس فوكل إليه

ثم يتمادى في غيه فرحا بما أوتي من العلم، فتتابع الآيات وتتطور لتظهر مزيدا من ضعفه وقدرة الرب سبحانه.. لعلهم يرجعون! وبعضهم لن يقبل سوى الجبل ولو رأى كل آية!

‏نحن بحاجة للطف الله ورحمته..لا لتضخيم أنفسنا أمام بلاء كشف ضعفنا ونادى باليقظة على البشرية من انجرافها للمادية وتأليه الإنسان.. وحتى لو أعطانا الله القوة عليه وظننا أننا من هزمناه بهذه المعركة الوهمية،فمن أين سنهزم ذنوبنا وكيف سيقف انحرافنا قبل موعد مع قدر جديد قد يكون أشد وأنكى؟

‏أيها العالم قف وانزل طويلا لمقام السجود متذللا متفكرا أين المصير؟ وهل أنت أيها الإنسان إنسان إلا بتفكرك، فإلى متى البهيمية في أسلوب الحياة جريا وراء الشهوات وإعراضا عن وحي السماء واغترارا بالقدرات التي هي ابتلاءات، لمتى الاستكبار والظلم والقهر والطمع، لمتى جحود أعظم حق في الوجود

‏ووالله لنجاة الأرواح من شقاء أبدي لسعادة أبدية أعز وأعظم من نجاة الأبدان من قدر عاجل إلى مثله آجل، فهي نجاة مؤقتة إلى حين.. ليس تقليلا من حفظ النفوس فهو من المقاصد الكبرى ولا تعارض، ولكن لا نطفف الموازين وندع تضخيم الدنيا يحجب الحقائق ويردي الخلائق

الإيمان بحكمة الله تعالى يقتضي أن نؤمن بأن لما يخلقه سبحانه ويقدره غايات، وهذا الإيمان له آثار تظهر على العبد، ومن أهمها التفكر في تلك الغايات..

ومن ذلك الرجوع للنفس بالمحاسبة عند نزول المصائب، لأن الله تعالى يقدرها ابتلاء بما كسبت أيدي الناس

ومن ذلك معرفة الله تعالى حين يرى الإنسان عظيم تقديره، وكيف تحدث عظائم الأمور بلطائف المخلوقات التي لا ترى بالعين لصغرها، فتنفذ حيثما شاء الله

ومن أعظم ما يحصل من هذا التفكر هو شهود القلب للخوف والندم، والإنابة والتضرع والتوكل، وغير ذلك من أحوال قلبية يترتب عليها من الخير العظيم ما لا يعلمه إلا الله سبحانه

ومن لم يجد في نفسه أمام هذه النوازل إلا النظر في ظواهر الأمور المادية بعيدا عن البواطن والغايات، فليسأل الله أن يحيي قلبه وينير بصيرته، فإن هذا من أعظم صور عمى البصيرة والغفلة عن حقائق الأمور، مهما كان لدى الإنسان من علم بتفاصيل المشاهدات والجوانب المادية المحسوسة، فإنها جزء صغير من المشهد، ومهما كانت مهمهة فليست الجزء الأهم!

تريد شيئا في غاية العجب؟

خذ أي كتاب في علم المواريث وانظر كم هو عدد القواعد والمسائل والاحتمالات والحسابات الداخلة فيه، ثم تعجب كيف ينتظم ذلك كله على اتساعه ضمن ما لا يتجاوز صفحتين من نصوص الكتاب والسنة، ووالله لو ذهبت لأبلغ الناس وقلت له اكتب لي عبارات جامعة محكمة تضم كل هذا في هذا القدر لما استطاع إلى ذلك سبيلا

ولهذا ما يشبهه في نصوص الأحكام، وانظر مثلا لآية صلاة الخوف كيف تنتظم صورا كثيرة متباينة من صور صلاة الخوف الثابتة في السنة

ولا يخفي ما في ذلك من الدلالة على أن ذلك من علم الله الذي لا يحيط به مخلوق وقدرته التي لا يشبهها شيء.. فسبحان الله العظيم

حكى الله تعالى قول نبيه سليمان : { رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي}، وعلق السعدي رحمه الله في تفسيره تعليقا لطيفا فقال:

” فإن النعمة على الوالدين نعمة على الولد”

أقول: هذا يفتح بابا للتفكر في النعم، فإنها تتجاوز ما أعطيته مباشرة إلى ما أعطيه والداك، ولكل منهما حياة كاملة بما فيها من ألوان النعم!

فالحمد لله رب العالمين

ينظر

يذكرنا ‏حمزة المتسابق (انقرهنا لمشاهدة المقطع)  الذي غالب دموعه وهو يخرج من تصفيات مسابقة قرآنية أننا خير أمة، ولن تهزم أمة همة صغارها في التنافس على المهارة بالقرآن.. ووالله يا حمزة لهمتك التي أظهرتها دموعك أحب إلي من فوزك، فقر عينا أقر الله عيني والديك وبارك فيك

كثيرا ما تفشل محاولة فهمك لأشياء خارجك بسبب أنك لم تفهم نفسك
فلا تجعلها مركز الوجود واقبل ضعفها لتبصر الحقائق، فالكبر والغرور أكبر حاجب، وأنت لم تهب لنفسك الوجود ولا تملك لها الخلود، كما لم تخلق أنت ولا غيرك عالما بكل شيء ولا غنيا
بنفسك الأسئلة الأهم عن الوجود والمصير والمغزى والمعنى ومنهج الحياة والأخلاق والقيم لا يجيب عنها العلم التجريبي، ولا هي من قضاياه أصلا ولا يملك أية مناهج أو أدوات لمعالجتها حتى يجيب عنها مستقبلا ولو تطور أكثر، انبهارك به لا يجعله يغنيك عن الفطرة والوحي وستبقى حائرا شقيا بغير ذلك التفكر طبيعة فيك، الرأسمالية تريدك مستهلكا متلهيا بحاجات وهمية عن حاجاتك الحقيقية..

الإعلام بل وإلى حد كبير ما تدرس من علم يأخذك لمساحة الانشغال عن الأولويات الكبرى في التفكير، ويسعى بكل قوته لسجنك في الدنيا ومحدوديتها لتستفيق متأخرا على مصيرك الذي لم تنتبه له!

خبر الوحي المبرهن رحمة..يكشف حجب الغيب وأسرار الوجود.. يجلو حيرة العقول ويثبتها على مادلت عليه من الكليات ويضيف لها التفصيلات الوحي مع عقل يتفكر نور تام إذا اجتنب العاقل الهوى

كما قيل: إنارة العقل مكسوف بطوع هوى وقلب عاصي الهوى يزداد تنويرا

فنت قرون كل قرن مليء بأفذاذ من العلماء خرجت منهم ألوف من المؤلفات، ولم تصل بذلك العلوم الشرعية إلى نهاية لا مزيد بعدها من التبحر في اكتشاف درر هذا الدين وهداياته المتجددة للنفوس

كفى بهذه الحقيقة دلالة على أن هذا الميراث الواسع المتجدد الفياض لا يمكن أن يكون جاء به رجل واحد من علمه المحدود، فقد عجز عن الإحاطة به مجموع أولئك الرجال، فكيف يأتي به رجل واحد دون مدد من علم إلهي؟!

صلى الله عليه وسلم

الأمل الجميل !


التفكر في عنصر المفاجأة في الأقدار يبعث الأمل، فكم من ضائقة تنزل بالعبد لا يكاد يجد منها مخرجا، ثم تأتي ألطاف الله من حيث لا يحتسب.. وتشعر أن في ذلك التقدير جمال

تأمل مثلا قصة يوسف عليه السلام، تجد فيها جمالا في تدرج الأقدار به من غيابة جب إلى منصب خزائن الأرض!

لم يكن صبر يعقوب وحده هو الجميل، بل كان قضاء الله فيه وفي بنيه جميلا، وقراءة ذلك للمحزون تبعث أملا جميلا..

تأمل كلمات الأذكار وأدعيتها النافعة الجامعة وما تتضمن من مطالب التوفيق والحفظ والأمان والخير.. ثم سائل نفسك : إذا كنا نعتقد أن الدعاء والذكر أسباب للتوفيق وصلاح الأحوال في الدارين، فلماذا لا نحرص عليها كما نحرص على الأسباب الدنيوية؟ هنا باب للتفكر في حال العبد ومحاسبته لنفسه.. أهو ضعف إيمان أو غفلة شيطان؟ والمهم أن تأتي بعد الفكرة اليقظة فيعاود السير وينشط

ينبغي أن يقارن الواحد منا بين مسكنه وحياته التي يعيشها وبين حياة أصحاب هذا الذي لا أدري هل يصح أن يسمى بالمسكن (صورة المسكن) .. وهو بالفعل مسكن لمسلمين مشردين فارين من الحرب في بلد أفريقية

فكر في حجم النعم التي عندي وعندك، وفي حجم الغفلة ولا حول ولا قوة إلا بالله

﴿كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون﴾
[الأنبياء: ٣٥]

فاللهم عفوك وهداك..

التفكر في نعم الله تعالى يشمل تذكر النعم التي سبقت
(آيات للتدبر والتفكر)

يقول ابن القيم: ليس في الحكمة إطلاع كل فرد من أفراد الناس على كمال حكمته في عطائه ومنعه ، بل إذا كشف الله عن بصيرة العبد ، حتى أبصر طرفا يسيرا من حكمته في خلقه ، وأمره وثوابه وعقابه ، وتخصيصه وحرمانه ، وتأمل أحوال مَحَالِّ ذلك ، استدل بما علمه على ما لم يعلمه ، وتيقّن أن مصدر ما علم وما لم يعلمه لحكمة بالغة لا توزن بعقول المخلوقين

-من المهم لأي شخص يريد النجاح في حياته الدنيا والآخرة أن يكون صاحب أهداف، فالسائر بلا هدف يضيع وقته وينفذ زاده ولا يصل لشيء

وهكذا الحياة، تنتهي بلامنجزات تذكر إذا كانت بلا أهداف .. !

إن الهدف الأكبر للإنسان محدد، وعالمنا كله هُيء لحياتنا لكي نسعى لهذا الهدف، والرسل أرسلت والكتب أنزلت لأجل تهيئتنا للوصول له.. قال تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وقال في نعيم الجنة : {ورضوان من الله أكبر}

إن هذا الهدف الأكبر يتحقق من خلال الاهتمام بما خلقنا له، وكل أهدافنا الفرعية ينبغي أن تتفرع عن ذلك.. كل تفاصيل حياتنا يجب أن تتناغم معه، كما قال تعالى : {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، فتعيش وهمك الآخرة والرضوان فيقوى قلبك وتعان.. جاء عنه صلى الله عليه وسلم : ( من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ)

وعامود هذا الأمر كما دل الحديث هي الصلاة، فهي توجهك نحو هدفك وتأخذك من المشتتات لتجمع همك عليه، ويتحقق ذلك بقدر ما تحقق لها من الاهتمام والخشوع

والقرآن يغرس فيك هذه المعاني وغيرها مما تحتاجه للنجاح، فكل ما كنت منه أقرب كنت لذلك أقرب

من الفوائد المهمة التي استفدتها من أحد الفضلاء، أن الإنسان عليه أن يخلو بنفسه ويستشعر حقيقة أن كل ما حوله قد يزول، من أسرة وأموال وعلاقات وغير ذلك، وأن نفسه ليس لها إلا الله الباقي وغيره سبحانه فان

هنا يستعيد الإنسان حقيقة أنه سيكون في البرزخ مع عمله وسيبعث ويحاسب وحده، وسيفر منه أحبابه في ذلك اليوم

يشعر الإنسان بأهمية أن يكون له تعبد لربه يخلو فيه معه، ويأنس به سبحانه، ويستشعر أن الله وحده المستحق لأن يصرف له غاية المحبة والتعظيم ويجعل حياته كلها له

كل شي يمكن الاستغناء عنه مهما بدا عزيزا، لكن لا غنى لك عن الله تعالى.. والله تعالى هو الولي، وإذا تولاك فقد حزت كل شيء

هي معان كثيرة لو تفكر فيها الإنسان واستطرد، ولعل هذه الأيام والليالي فرصة ثمينة لمثل ذلك.. رزقنا الله وإياكم العلم به والعمل الذي يرضيه

وصلى الله على نبينا محمد

في الحديث : (اعدُدْ يا عوفُ ستًّا بينَ يديِ السَّاعةِ : أوَّلُهنَّ موتي)، قال عوف رضي الله عنه : فاستبكيتُ حتَّى جعلَ يُسكِتُني!

فانظر كيف ذهل رضوان الله عليه عن خبر أشراط الساعة وطار من عقله ترقب بقية تلك العلامات مع شدة التطلع لما ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم وفاته!

فيا لله ما أعلى قدر النبي صلى الله عليه وسلم وما أشد حب أصحابه له

رزقنا الله توقيره وحبه والذب عنه وحشرنا في لوائه ورزقنا مرافقته في جنات النعيم

بالأمس ضرب إطار سيارة كانت تسير أمامي على الخط السريع، ولطف الله بصاحبها أنها زحفت به في منطقة رملية بعدها بنصف متر رصيف مرتفع كان من الممكن أن يؤدي لانقلابها، وأيضا لطف الله بي أن بيني وبينها مسافة طويلة نسبيا

مثل هذه الحوادث تذكر بأننا نعيش في عافية ولطف لكننا نغفل عنه، وهذا الذي ظهر هو لطف ظاهر، وما بطن من الألطاف الخفية أضعاف أضعافه، وملاحظة اللطف في هذه الألطاف لطف آخر

وفي الحقيقة نحن نحتاج لتذكر معاني الربوبية والقيومية باستمرار، دون انتظار لحوادث تمر قريبا منا فننتبه ثم نغفل، ومن أعظم ما يحيي هذا التذكر المستمر الأذكار لمن تنبه لمعانيها ووفق للمواظبة عليها

وهذه الأذكار موجودة في الصلاة بانتظام، ومن رحمة الله أن أوجب علينا هذه العبادة، وموجودة كذلك في مناسبات مختلفة بعضها منتظم يوميا مثل أذكار الصباح والمساء، وبعضهم مرتبط بمناسبات أخرى

وهذا حديث سابق مع سورة الفاتحة وما فيها من معاني مهمة، وكذلك آية الكرسي والمعوذات وغيرها، في قائمة تشغيل وقفات مع القرآن :
(الرابط)

وهنا وقفة مع الكلمات الأربع:
(الرابط)

كم نحن معافون وكم نحن غافلون! والحمد لله على رحمته وإحسانه في العافية الأولى وفي العافية الثانية من عواقب التقصير في شكر عافيته

في دعاء له قصة ذكرها الذهبي في السير، وفيها قول جعفر بن محمد: ” اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك علي ، ولا تهلكني . وأنت رجائي . رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري ؟ ! فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني ، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا ، ويا ذا المعروف [ ص: 267 ] الذي لا ينقطع أبدا ، أعني على ديني بدنيا ، وعلى آخرتي بتقوى ، واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت . يا من لا تضره الذنوب ، ولا تنقصه المغفرة ، اغفر لي ما لا يضرك ، وأعطني ما لا ينقصك ، يا وهاب أسألك فرجا قريبا ، وصبرا جميلا ، والعافية من جميع البلايا ، وشكر العافية ” .

تأمل كلمات الأذكار وأدعيتها النافعة الجامعة وما تتضمن من مطالب التوفيق والحفظ والأمان والخير.. ثم سائل نفسك : إذا كنا نعتقد أن الدعاء والذكر أسباب للتوفيق وصلاح الأحوال في الدارين، فلماذا لا نحرص عليها كما نحرص على الأسباب الدنيوية؟ هنا باب للتفكر في حال العبد ومحاسبته لنفسه.. أهو ضعف إيمان أو غفلة شيطان؟ والمهم أن تأتي بعد الفكرة اليقظة فيعاود السير وينشط

وعد الله حق، وشأن معادنا إليه عظيم، هو مصير إلى نعيم أو عذاب دائم ، ويصغر أمام ذلك كل ما في هذه الدنيا من ملذات أو مشاق

قال الحق سبحانه : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر : 5]

الإيمان بالآخرة وفهم حقيقة الدنيا يقلب الموازين ويبصرك حقيقة ومنزلة ما تشهد في دنياك، وذلك نافع لقلبك وطريق لنجاتك، وحينئذ لا يضرك من خالفك مهما كثروا، فما يضرك أنك بصير بين العمي وإن كثروا!