رسائل الوعي

الإخلاص والبصيرة والحس النقدي المرهف عند تلقي المعطيات، وجودة تحليلها مع الالتزام بالمنهج العلمي الشرعي: صفات إذا توفرت في الإنسان تنتج حكما أقوم وأصوب على الأمور، ولو بني على معلومات قليلة

بينما لو فقدت هذه الصفات أو ضعفت تعطي حكما أعوج وأضعف ولو بني على معلومات كثيرة..

لذا.. قد يبصر البعيد ما لایری القريب، ويصيب الحق صادق بمعطيات قليلة ويخطؤه من لديه معلومات كثيرة !

حجم كبير من الغفلة واتباع الهوى والانهزام الداخلي يحتاجه من يستقبل حياته الزوجية بالمعاصي في الأفراح، فهو لو تفكر لحظة في صدق لأدرك قبح حاله وهو يستقبل حياة كاملة يحتاج فيها للتوفيق في كل لحظة بأسباب عدم التوفيق، ولن ينفعه المصفقون وسينسون كل شيء بانتهاء الحفل، كما سينسونه بعد انتهاء الدفن إذا مات!

أيها المقبلون على الزواج، أيها الأولياء.. أفلا تعقلون !؟ ألا يمكن أن يحتفظ الإنسان بعقله لساعات يرتب فيها لاحتفال يخلو من هذه المنكرات ويحتسب في ذلك الأجر ويرجو بذلك التوفيق والسعادة الدائمة؟!

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرد سعي في إزالة المفاسد وجلب المصالح المعينة، بل هو تكريس لهيمنة الإسلام وعلوه، وصبغة مجتمع يخضع لحكم الله ﷻ ويعتبر حقه أعظم حق، والتعبد له والانقياد أعظم واجب، بحيث تكون المعصية مستنكرة لا تؤتى إلا خفاء في غربة، ونعوذ بالله من العكس

لا تعطني شعارات فأفعالك تريني ما هي قيمك العليا واهتماماتك وأولوياتك

الذي قال سبحانه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} هو الذي قال سبحانه: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}

فالرحمة بالهداية التي هي ضد الغواية..

والرحمة بدين الحق الذي هو ضد الدين الباطل، الذي هو كل ما سوى الإسلام..

وظهور هذا الدين على الدين كله رحمة للعالمين..

ومن قال بأن رحمته في أن يساوى بغيره، أو يجعل من يتبعه كمن يكفر به من كل وجه، فقد جعل القرآن عضين، وابتغى فيه سنة الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض

‏معالجة موضوع بلغة أجنبية يؤثّر في تفكير المعالج, فاستخدام اللغة يضعك في جو القيم الشائعة لمستخدميها فتشعر بقوتها إذا كان لها صلة بالموضوع

لذلك تجد المستغرب يفضل اللغة الأجنبية للحديث عن فكرته في الجو الذي نشأت فيه وبين القيم التي تقوى في ذلك الجو, ويتلعثم حين يبثها بالعربية

‏في المقابل تشعر بقوة الطرح الشرعي إذا كان بالعربية, بل تشعر بقوة الطرح حين يكون بالفصحى لا بالعامية, وهذا يؤكد أهمية المحافظة على لغة القرآن

‏ومن هنا ندرك خطورة المحاولات المستمرة لتجهيل الناس باللغة العربية ودفعهم للأجنبية وربطها بالحضارة والعلم, مع أن لغات العالم المختلفة تتحدث العلم بطلاقة، فلغة القرآن من باب أولى.. وصدق القائل عنها:

وسعت كتاب الله لفظاً وغــايــة وما ضقت عن آيٍ به وعظـــــات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيـــق أسمـــاءٍ لـمخترعات

أنا البحر في أحشائه الدر كامن** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

” الكنائس الليبرالية تموت لأنها خارج السياق. ما تقدمه يمكن العثور عليه في كل مكان بالثقافة العامة. المعتقد الذي يدعون له ليس مهما بالقدر الكافي، وليس مختلفا بالقدر الكافي، وليس ذا تحدٍ بالقدر الكافي. وما يلي أمر محوري: إنه لا يتوقع القدر الكافي من أتباعه

لماذا تعتقد أن الإسلام ينمو في الغرب؟ لأنه يطلب مطالب ضخمة من أتباعه، ويقدم لهم أسلوب حياة مختلف يقع في المقابل تماما للثقافة العامة. إنه يعطي هوية. وهذا ما يستميت الناس في البحث عنه في هذا العالم “. مات ولش-كاتب كاثوليكي

تعليق:
هل يعي الذين يريدون إصدار نسخا خاصة من الإسلام ويكيفونه (يحرفونه) على الحالة السائدة حجم الجناية التي يجنونها عليه !؟ إنهم يريدون البدأ من حيث انتهى الغرب الضائع.. بل من المتاهة التي دخلها..

يعترف كثير من فلاسفة الغرب بأن تكريس التعددية العقدية والأخلاقية في النظام العلماني أحدث فوضى مرجعية، فلا معيار مشترك حقيقي يضبط الحكم بالصواب والخطأ، بل يصرح بعضهم بأن المعيارية يستحيل تحققها إلا بالرجوع لمصدر يفوق الإنسان، وهو الرب سبحانه، لكنهم لاينقادون لمقتضى ذلك من التسليم له ولحكمه

على الجانب المقابل ينهمك السطحيون المنبهرون بحضارة الغرب في تلقف منتجاته الفكرية وتمجيدها ببلاهة وسطحية مقززة، مع الجهل بعظمة دينهم ونفرتهم عنه‏، فصاروا أحط من الغرب حتى على مستوى الفكر والتنظير

فالله المستعان

‏إياك أن تفقد البوصلة وتتوه في جزئيات الواقع الصغيرة فلاترى الكليات ولا تميز الأولويات فتستحكم غفلتك وتعيش تائها عن حقائق دينك وأمتك

الإسلام دين الرحمة

عبارة صحيحة في الأصل، لكن فهم الإسلام بل فهم نفس الرحمة لا يصح أن يكون مختزلا

فالرحمة لا تعني وضع الشيء في غير موضعه وترك العدل الذي به تقوم السماوات والأرض, ومنه عقاب الجاني وكف الباغي والاقتصاص للمظلوم من الظالم

فالشريعة متوازنة .. والرحمة تكون أحيانا في كف الشر بالقوة إذا لم ينكف بالرفق

من أخطر ما يقع فيه بعض الناس ولا ينتبه له الكثيرون هو عدم الاكتفاء بالمعصية، ثم عدم الاكتفاء بالمجاهرة – وفي الحديث (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)-، حتى يشرع العاصي المجاهر باستحلال الحرام الصريح المعلوم حرمته من الدين بالضرورة، وهذا تكذيب لأحكام الشرع لا مجرد عصيان، ولا مجرد مجاهرة على خطورة ذلك كله، وهكذا الشيطان يسوق من يتبع خطواته من الزلة لما فوقها حتى يكون من أولياء إبليس

ومن ذلك أيضا أن بعضهم بدلا من أن يكون على خطى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممن {يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار} ، يكون على خطى الشيطان ويراغم أهل الإيمان ويغايظهم بالمجاهرة مع الهمز واللمز والاستهزاء..

أحدهم لا يملك نبضة من نبضات قلبه الذي بين جنبيه، ثم لا يستحي من خالقه والمنعم عليه، فيغايظ من يتمسك بدينه وهو آمن من مكر الله، وتالله ما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون

جاء في الحديث : (من سرَّتهُ حسنَتهُ وساءتْهُ سيئتُهُ فهو مؤمِنٌ)

من يقرأ القرآن تمر عليه في مواضع كثيرة حجة المشركين الداحضة حين يقولون كما حكى الله عنهم {وجدنا آباءنا على أمة} و {بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}، والقرآن يبطل عليهم هذه الحجة التي يتركون بها ما أنزل الله ببيان خوائها {أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون} ، وبيان أن العبرة بالحق والهدى { أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم}

والعجب بعد ذلك أن هناك من يحتج بماضي مجتمع ما ويحاول بث الروح في ما يخالف منه ما أنزل الله، وصحيح أن بعض الناس يحاول تصحيح ما ليس من هذا الماضي مما يقحم فيه، لكن في النهاية حتى لو صح ما صح من ذلك الماضي، فإن العبرة بالهدى لا بالجهل الموروث، وخاب وخسر من يجعل الجهل والانحراف والهوى إمامه ولو كان من فعل آبائه

المعنى القرآني للإفساد في الأرض

في تفسير الطبري عدة آثار في تفسير قوله تعالى {وأذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} [البقرة-١١]، ومما جاء فيه:

عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )، هم المنافقون. أما ” لا تفسدوا في الأرض “، فإن الفساد، هو الكفر والعملُ بالمعصية.

..عن الرَّبيع: (وإذا قيل لهمْ لا تفسدوا في الأرض) يقول: لا تعْصُوا في الأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، قال: فكان فسادُهم ذلك معصيةَ الله جل ثناؤه, لأن من عَصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته، فقد أفسدَ في الأرض, لأن إصلاحَ الأرض والسماء بالطاعة ..

قال الطبري: “والإفساد في الأرض، العمل فيها بما نهى الله جلّ ثناؤه عنه, وتضييعُ ما أمر الله بحفظه، فذلك جملة الإفساد, كما قال جل ثناؤه في كتابه مخبرًا عن قِيلِ ملائكته: قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [سورة البقرة: 30]، يعنون بذلك: أتجعل في الأرض من يَعْصِيكَ ويُخالف أمرك؟ فكذلك صفة أهل النفاق: مُفسدون في الأرض بمعصِيَتهم فيها ربَّهم, وركوبهم فيها ما نَهاهم عن ركوبه, وتضييعِهم فرائضَه، وشكِّهم في دين الله الذي لا يقبَلُ من أحدٍ عملا إلا بالتَّصديق به والإيقان بحقيقته، وكذبِهم المؤمنين بدَعواهم غير ما هم عليه مقيمُون من الشّك والرَيب، وبمظاهرتهم أهلَ التكذيب بالله وكُتُبه ورسله على أولياء الله، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا. فذلك إفساد المنافقين في أرض الله, وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها “.

كثير من الشبه لا يتم تمريرها إلا عند ضعف التصور عن عظمة هذا الدين في أدلته ومضامينه التي لا يعرف لها نظير ولا مقارب

فمن لا يعطي من وقته لمعرفة هذه الأدلة وتلك المضامين، ثم يعرض نفسه للشبه، فقد تمرضه تلك الشبه، وعندها لا يلومن إلا نفسه

الاتزان في المديح -السائغ- مهم

فالمبالغات تفتن الممدوح وتعميه عن معايبه
وتفتن السامع حين يجد الأمر على غير ما سمع من المديح، فيصدم وربما يصد عن الخير الذي في الممدوح

إذا أردت أن تثني فاحذر من تأثير لحظة الانبهار والعاطفة الجياشة واختر لحظة هدوء تزن فيها كلامك الذي هو بمثابة الشهادة

ليس كل ما هو حق يراد به الحق

مثال: لو قيل لي: ذم أبليس وحذر منه لكن بوصفه خرافة وأمر غيبي لم يثبته العلم الطبيعي! لأمسكت وآثرت ألا أتكلم فيه بكلمة، مع أنه أعدى الأعداء وحامل راية الضلال منذ خلق أبينا آدم عليه السلام إلى قيام الساعة.. وما إمساكي حينئذ من قلة عدائي له، ولكن لقوله تعالى : {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}، فالقول بأن الغيبيات خرافة وحصر العلم في نوع واحد وعدم الاعتداد بمصدرية الوحي ومرجعيته وصدقه هو أشد بطلانا وضلالا من السكوت عن إبليس!

امتنعت المرأتان عن السقي حتى يصدر الرعاء حتى لا يخالطن الرجال، وهنا ملحظ ينبغي الانتباه له، وهو أنهما في موضع حاجة، فقد أرادا السقي لا التنزه أو شرب القهوة، ومع ذلك امتنعتا حتى رآهما ذلك الشهم نبي الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام
فواها لواقع اليوم والله المستعان

الذي يتعاطف مع المرأة حقا وصدقا يعلم أن طريق التحرر من القيود الشرعية هو أضر ما يكون عليها، وأن دخولها في مؤسسات عمل تستهلك شبابها بعيدا عن مؤسسة الأسرة كثيرا ما يؤدي إلى دمار مستقبلها بدلا من تأمينه

المستقبل أيتها المرأة ليس مجرد رصيد في البنك وجولان في المقاهي وقهقهة مع الرجال الأجانب وجذب للنظرات المريضة بتكشيف الشعر والجسد، بل حياة مودة ورحمة وصناعة لمجتمع بأكمله وصيانة لنفس خلقت لتتصل بالله وتكون له كما يريد فتسعد برضاه في الدنيا والآخرة، ودون ذلك ستعيشين في حياة صاخبة ثم تفاجئين في مرحلة ما أنها تخبئ وراءها نهاية قاتمة، تذبلين فيها وحيدة بلا حصاد.. وقد ضيعت زمن الغرس

أيها المسلم تأمل في معنى كلمة الإسلام، تجد أن صراعا مريرا يتوجه لهذا المعنى، ليبقى كل شيء ينسب للإسلام، إلا أن يكون تسليما للنفس لله وحده، بالتصديق التام للوحي في كل ما أخبر، والتسليم والتحكيم التام الخالص له في كل ما أمر، وما جوهر الإسلام إلا أن يكون الدين كله لله

لا يخدعونك بكلام حق يراد به باطل، فكل ما جاء به الدين روحه هذا الأصل، فإن بعثت فيه الروح نفع صاحبه، وإلا كان في حكم الأموات، فلا الأخلاق ولا القيم التي تسمى إنسانية تمثل حقيقة الإسلام إذا جردت من هذه الروح..

بل قد يتحول التركيز على هذه الجوانب – مع أهميتها – لوسيلة للصد عن حقيقة الإسلام، فتجد الحديث عن الإسلام يحضر فيه كل معنى فيه تحقيق لحقوق الإنسان واستمتاعه بالدنيا، ثم يغيب كل معنى يتعلق بحق الله أساس الوجود والاستعداد للآخرة وأنها الحياة الحقيقية
﴿ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور﴾
[لقمان: ٢٢]

إذا أردت أن يذهب الباطل عن قلبك فلا تركز فقط على طلب المعالجات العلمية لنفس الباطل (الردود)، فالارتواء بالحق يذهب بأثر الباطل من الشبهات والشهوات

قال تعالى : ﴿أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال﴾
[الرعد: ١٧]

” وأخبر تعالى أنه يعلو على السيل من الزبد بسبب مخالطة الماء، وأنه يذهب جفاء؛ أي يرمي به ویُخفی، والذي ينفع الناس يمكث في الأرض ويستقر، وكذلك القلوب تخالطها الشهوات والشبهات؛ فإذا ترابي فيها الحق ثارت فيها تلك الشهوات والشبهات، ثم تذهب جفاء، ويستقر فيها الإيمان والقرآن، الذي ينفع صاحبه والناس”

ابن تيمية، الفتاوى ١٩/٩٥

ترابى= تزايد

من التوفيق التفكير في حال إخواننا المسلمين وحمل همهم مع هم التوفيق لقيام ليلة القدر، فذلك من علامات الإيمان، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (‏⁧مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)

نعم لا تذهب بك الأحزان كل مذهب فتصاب باليأس، أو يذهب بك الهم إلى أن تترك الدعاء والتعبدات الأخرى الفاضلة إلى ما لا ينفع، لكن اجعل معك في قلبك وأنت تتعبد شعورك بإخوانك وفي لسانك دعاءك لهم وتذكيرك الآخرين بحقهم، وهذا أقل القليل والله المستعان

اللهم إنا حملنا هم إخوان لنا لم يجمعنا بهم نسب ولا لنا فيهم مال ولا ولد، لكن محبتك وعبوديتك أشعرتنا بحقهم لانستابهم لك بالعبودية وإسلامهم لك بالتوحيد، ففرج عنا وعنهم وابدل ذلنا عزا، عز جارك وجل ثناؤك، ولا حول ولا قوة إلا بك

من كان ألمه لما يحل بالمسلمين من مصاب دنيوي من باب التعاطف الإيماني، فحري به أن يتألم لما يحل بهم من الانحرافات العقيدة والسلوكية أيضا ومن باب أولى، فهذه من بوابات الانكسار، وقد كان السلف يخشونها ولا يغترون بما يظهر لهم من عز دنيوي، بل يكون بعضهم أشد حذرا في هذا الحال من غيره.. ثم الأهم هو ضررها الأخروي الممتد والعياذ بالله

ولذا فإن دور أهل العلم والفطنة هو مواصلة النصح والتذكير بالله ووجوب الرجوع له وشكره وتصحيح الأخطاء، فتحقيق العبودية لله على كل حال أعظم من تحقيق النصر، بل هو على التحقيق أعظم النصر وطريقه الوحيد إذا فهمنا النصر بشكل صحيح

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – : الْحَاجَةُ إلَى الْهُدَى أَعْظَمُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى النَّصْرِ وَالرِّزْقِ ؛ بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا هُدِيَ كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ ؛ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ، وَكَانَ مِمَّنْ يَنْصُرُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَمَنْ نَصَرَ اللَّهَ نَصَرَهُ اللَّهُ كَانَ مِنْ جُنْدِ اللَّهِ وَهُمْ الْغَالِبُونَ . ( مجموع الفتاوى : 14 / 39 )

الصورة اليوم هي وسيلة للتأثير على وعي الجماهير، حيث يمكن عبر التزيين الدعائي والانتقاء والتكرار أن يتحول القليل والشاذ والقبيح إلى نمط ونموذج مكرس يتسرب للوعي أنه شائع، ثم تبدأ المحاكاة لذلك النموذج لينتقل من الشيوع في الصور إلى التفشي تدريجيا في الواقع

لا زال الواقع يخالف تلك الصور في العموم، ولا زال في النفوس أثر للفطرة والهدايات التي بثها الله في الآيات في الأنفس والآفاق، ولكن تبقى التربية والدعوة وتكثير النماذج الصالحة بالثبات على الحق وتغيير المنكر بحسب المستطاع والتوعية والنصح مطالب مهمة

إذا حبست نفسك في ظروف اللحظة الراهنة فقد ينسد عليك الأفق وتغيب عنك شموس الأمل..

فإذا تدبرت القرآن..

وجدت فيه التحذير من الاغترار بظاهر الأحوال، والكشف عن حقائقها وبواطنها، فأنت تسير على صراط مستقيم وهدى من الله وتأييد، وأهل الباطل يتنكبون ويتشتتون وتتخبطهم الشياطين ويألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون، فتعتدل نظرتك لإيمانك بخبر الغيب.. ولبصيرتك التي ترى بها ما وراء سطور الواقع من بعض حقائق التدبير..

ثم تجد التحليق بك في أمم خلت، عمروها وفتحت لهم رغم خروجهم عن طاعة ربهم، وضاق فيها على أهل الإيمان مثل ما ضاق عليك أو أكثر، ثم فني الظلم وأهله وكانت العاقبة للمتقين..

ثم تجد الوعد بظهور هذا الدين ومن تمسك به، فتنفتح أمامك نوافذ المستقبل، وترى أملا جديدا ينبع من ثقتك بربك، وهي الثقة التي يعززها القرآن بحديثه عن الله تعالى وصفاته وسننه..

أنت أيها الفرد عندما تتمسك بدينك وتشتغل على بناء الوعي في نفسك بقدر استطاعتك ثم تمد يد التأثير ولو يسيرا في محيطك.. أنت قد ترى نفسك قطرة صغيرة، لكن السيل اجتماع القطرات، والأمة التي تتراكم فيها نماذج الثبات الفردية أمة ينبض قلبها ولو بضعف.. ويوشك أن تدب فيها أشكال الحياة ولو بعد حين..

فلا تحبط ولا تخمد

{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون (115) فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم (116)} [المؤمنون : 115-116]

العاقل لا يمكن أن يجيب بغير الإقرار بتنزيه الله عن غير الحق والحكمة في هذا الخلق، وحاله ومقاله كأولئك {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} [آل عمران : 191]

وحالك أيها الإنسان هو الشاهد لك بعقلك أو سفاهتك، وبصدقك أو كذبك في دعواك معرفة الحق وتصديقه، فاخل بنفسك وتفكر في حالك، وحاسبها قبل ساعة حسابك، فإنما عمرك عارية يوشك أن تسترد

كلا الأمرين وارد: أخذ الظالمين أو إمهالهم إلى حين..

في الأخذ تعجيل للعقوبة أو بعضها، وشفاء لصدور المؤمنين، وتثبيت لهم، وهذه مقاصد شرعية

وفي الإمهال لطف بالممهَل تارة، واستدراج له تارة، وامتحان للمؤمنين، يتميز به من يعبد الله على حرف ويجرب الله تعالى كما يجرب التجارة والعياذ بالله، ومن يعبده لأنه الأله الحق المجيد المستحق سبحانه للعبادة، ويوقن بوعده ويثق به ويصبر لأمره ويحسن الظن به في قضائه، وينتظر فرجه ونصره، ويرى ببصيرته ألطافه وصورا من فرجه ونصره يعمى عنها من أغرق في الانكباب على الدنيا، أو استغرق في صور معينة من النصر علق قلبه بها

الوعي بهذه السنن مهم، حتى لا تتعلق النفوس بخبر مفرح فيه نصر وتتشوف لتكراره بنفس الطريقة مع كل من مارس نفس الجرم، وإلا قنطت واضطربت

أقول هذا، وأنا أحمد الله تعالى على إهلاك الكافر المستهزئ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله أن يزيد الظالمين من عاجل عقوبته ويريح الأرض من خبثهم وإجرامهم، ويشف صدور قوم مؤمنين، وينجي برحمته المستضعفين في كل مكان

هناك رؤية شمولية وتفصيلية للمعرفة والتفكير والاستدلال تنطلق من الإسلام، وهذه الرؤية يقابلها رؤية تباعد نفسها عن الانطلاق من الدين وتنطلق من رؤى فلسفية عن الوجود والمعرفة ومفهوم الحقيقة تصطدم مع الرؤية الإسلامية

وبين الرؤيتين تراوح رؤية ثالثة تستمد من هنا وهناك وتحاول التلفيق بطريقة هي أقرب لاعتبار الرؤية الإسلامية زخارف وبهارات لترويج المنتج المهجن.. وربما دخل في هذه الرؤية بعض المخدوعين ممن يظن أن إيراد بعض النصوص في مواضع يحصل فيها تقاطع مع الرؤية الإسلامية كافية لإضفاء الشرعية على أي منتج فكري

الحاصل أن نقد هذه الرؤى المهجنة واجب شرعي، وهو موجود بالفعل في كثير من الكتابات والمحاضرات، لكنه يحتاج لربط وتنزيل وتوظيف في النقد المباشر.. ومن سنة الله تعالى أن يحصل هذا

(انظر : https://t.me/ttangawi/1324 )

متى سيعترف الإنسان أن ثقافة السيطرة والتحكم والانتصار وتسخير الطبيعة بقدرات الإنسان بعيدا عن الخالق سبحانه هي أوهام، وأن كل التقدم الذي حصل بإذن الله لا يخلق ذبابة، ولا يوقف فيروسا كالهباءة في حجمه وكالزلازل في تأثيره..

متى أيها الإنسان؟ متى؟

يقرأ بعض الناس الأعمال الفنية والأدبية الغربية بالتركيز فقط في بعض المعاصي (الموسيقى-الصور المحرمة مثلا)، ويغفل عن ما ترسخه من مركزية الدنيا الخاوية من أي معنى غائي رباني

من أعظم فوائد قراءة السيرة شهود علو الهمة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يظهر ذلك من أولوياتهم وتضحياتهم وما عانوه لنشر الإسلام دون كلل، صابرين على الغربة وضيق العيش والجراح، بل كانوا يعدون ذلك فوزا، فيصيح أحدهم وقد طعن: فزت ورب الكعبة!

والجيل اليوم بحاجة لمعايشة هذه السيرة العظيمة، لكي يدرك حياة الوهم الذي يضخ اليوم في الإعلام ووسائل التواصل وبيئات التفاهة، التي تحاول أن توهمه بحتمية النزول للحضيض وأن هذا هو الخيار الوحيد للحياة الطبيعية لا غير!

فإذا شاهد وشهد بقلبه مشاهد السيرة فقه الحياة الحقيقية وأدرك سخافة الوهم، وأنها قصور من زجاج، تقتات على مسايرة الأمعات لضجيج الضخ المفسد للترهات، ومسيرة السيرة والتاريخ تبين له بالسياق والشواهد حقائق الأمور

ثم تلك السيرة لا تكاد تقف مع مشهد من مشاهدها، إلا وتشهد فيه كمال النبي صلى الله عليه وسلم، ودلائل صدقه المعنوية والحسية الكثيرة، فينبني في قلبك رسوخ الإيمان ويتعالى فيه صرح اليقين، حتى تنظر من فوق وتقول للدون:

فمضيت ثمت قلت: لا يعنيني!

اللهم بصرنا والجيل بالحق وارزقنا اتباعه

بعض المسائل فيها خفاء أو التباس يحتاج معه في تحريرها لاستقصاء في الجمع والنظر والتمحيص، وبدون ذلك لا يمكن أن يحكم الإنسان عليها حكما يطمئن إليه

وهذا النوع من المسائل يحتاج لوقت وطاقة نفسية، وقد لا يكون الخوض فيه من الأولويات أصلا، بل قد لا يكون كذلك في طول حياة الإنسان، لأن في طريق الإنسان إلى الله تعالى في هذه الحياة القصيرة مهمات أعظم، وواجبات أوكد

وهنا يحسن كثيرا أن يتوقف المرء ويدع الخوض فيما لا يحسن مما لا يعنيه، فما لم تكن المسألة متعلقة بواجبات تتعلق بعينه، فليسعه أن يحرص على ما ينفعه..

أما إن تعلقت بعينه فليسعه اتباع من يثق بعلمه ودينه، ولينزل نفسه حينئذ منزلها، لا أن يحول نفسه لرأس يتحدث بثقة منتصرا لمن تبعه وطاعنا في غيره بضيق صدر

يقوم بعض الناس مشكورين ببيان حال بعض المجرمين من الكفار ممن له سجل من الاعتداءات الظالمة على الأمة، وذلك في سياق التحذير من محاولة بعض المضللين من استغلال وفيات مشاهير الكفار بالترويج للترحم عليهم وتسويق منجزات إنسانية أو علمية لهم، وهذا قد يفيد بصورة جزئية، ولكن..

من الخطأ أن تكون العمدة في بيان قضية شرعية عقدية كهذه هي جرائم في حق الإنسان، وكأن الكافر الذي أحسن فعلا في معاملة البشر وخدمهم لكنه تنكر لحق خالقه وهو الحق الأعظم، وأجرم أعظم الجرم بظلم الشرك والجحود والتمرد عليه وتكذيب رسله، كأنه حاز صك البراءة بجمال ابتسامته أو نفع مخترعاته

قال الحق تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف : 40]

وهذه إضاءة سابقة تفيد في هذا السياق :
https://t.me/ttangawi/408

كلما حاكت المرأة الرجل في ما يختص به فقدت تميزها وحطمت الأسرة، ثم فقدت جاذبيتها عند الرجل السوي، الذي يريد مختلفا يلتئم معه، ولا يريد نظيرا له ينافره، ومع التخلي عن الحياء سيبدو منظرها مهما تبرجت قبيحا، ليس لمن ينظر بعين الشرع فقط، بل للسواء البشري عموما، إذ يميز المرأة أنوثتها التي يزينها الحياء ويقتلها ضده

استهلاك الرجل – وهو الأب والزوج الغائب أكثر اليوم والمنهك آخره – في نمط العمل الرأسمالي يؤثر سلبا على الأسرة، وإذا كان الرجل مضطرا لهذا بعض الأحيان، فالأسوأ أن تشاركه المرأة في هذا التحطيم، وتدور تروس آلة الرأسمالية فوق رؤوس الأسرة بأيديهما، فإذا اضطرت المرأة لذلك ثم زادت عليه أن تحاكي سلوكيات الرجال بدلا من أن تجئ على استحياء، اكتملت وصفة الشر والقبح

يحتاج الرجل المضطر إلى خوض معركة أخرى ليغطي احتياجات أسرته حتى يتماسك بنيانها بأقل قدر من التصدعات، فالتقصير منه في حق زوجته وأولاده في هكذا ظروف يعظم تأثيره، ويحتاج الوالدان لجهد مضاعف في ترتيب القيم عند جيل ينشأ في معارك من تشويه قيم الرجولة والأنوثة والأسرة

ولا شك أن القابض على قيم دينه والمستمسك بما دل عليه من أخلاق وحقوق وأدوار في هكذا ظروف، هو في جهاد عظيم وأجر كبير إذا أحسن النية وسدد وقارب

فاللهم رحمتك ولطفك وعونك..

‏اعلم أن الله سبحانه متصف بصفات الكمال، ومنها ماتضمنته أسماؤه الحسنى، فأنزل حوائجك به وحده وأنت موقن بأنه سميع مجيب قريب رحيم كريم واسع جواد..

وإياك أن تظن بالله ظن السوء وتشبهه بالمخلوقين ممن لايدخل عليهم إلا بالوسائط ويطردون الضعفاء، فبأس الظن وبأس القياس ظن {الظانين بالله ظن السوء}، فظن السوء هذا أصل لانحراف المشركين ممن يمم وجهه وعلق قلبه بغير الله، جهلا منه بكمال صفاته وسعة فضله ورحمته

واعلم أن إجابته واسعة لاتحد بأوليائه، فهو رب العالمين لارب الأولياء فقط، ورحمته وسعت كل شيء، وقد وعد بكتابه بإجابة مطلق الداعين {أجيب دعوة الداع إذا دعان..}، وخص المضطرين {أمن يجيب المضطر إذا دعاه..}، وفي قصة سليمان أن نملة استسقت فقال عليه السلام: قد سقيتم بدعوة غيركم!

ما لأحد من الناس فضل على البشرية مثل ما للأنبياء عليهم السلام، فهم سقاة بذور الفطرة والذابون عنها آفات الشياطين، وهم حاملو لواء البلاغ عن الله تعالى خبره وأمره، وما طلع نور في الدنيا إلا من نورهم

وقد اصطفى الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتما لهم وأكمل به دينه وأتم نعمته، لذا كان حقه أعظم حق من أعظم حق، فهو صفوة الأنبياء، والشفيع الأعظم الذي يوقف الله الفصل على شفاعته، صاحب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، فلعنة الله على كل من ألمح له بسوء من مكان بعيد، ونصر الله من نصره وخذل من خذله، ولا أبقى الله دنيا يضام فيها ولا ينتصر له..

” وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة!! ” أبو زرعة

كلمة قالها أبو زرعة في الطاعنين في الصحابة رضوان الله عليهم، ولكنها تصلح في كل من طعن طعنا عاما في فئة من نقلة العلم من أهل الحديث والرواية أو الفقه والدراية، خاصة الأئمة الكبار ممن دار العلم على علومهم ومؤلفاتهم..

وقد لا يصل الأمر إلى هذه النتيجة الشديدة التي ذكرها أبو زرعة بالطعن في الآحاد، لكن الطعن في المجموع يفضي إلى ذلك، ويتضمن قدح خيرية الأمة، ويقترب منه كثرة الطعن في الآحاد خاصة كبار المتقدمين من الأئمة ومن اتفقت الكلمة على إمامتهم، فمن أكثر من ذلك واستخف به وجرأ عليه، آل مسلكه لنفس النتيجة أو قارب، وصار الحذر منه أولى من الأخذ عنه

يظن بعض القراء أن العرض التاريخي للقضايا هو تطويل لا فائدة له، وتكثير للصفحات بعيدا عن المضمون، وهذا قد يصح نوعا ما بحسب القضية وبحسب الكاتب عنها، ولكن.. يجب أن يعلم في الجملة، أن تاريخ أي قضية هو من أدوات الوعي المهمة بها، خاصة تلك القضايا التي ينظر إلى واقعها بعيدا عن تاريخه، وتتتابع الأجيال على الشعور بأنها جزء من نسيج الواقع الذي لا ينفصل عنه، بينما للتاريخ كلمة أخرى تدل على أنها غرس سقي حتى تشابكت جذوره بصورة خادعة، توحي بحتمية زائفة لاستمراره، وما أسهل انقلاعه لو كان له أيد مبصرة وعزائم صادقة

إن الأمر الواقع هو ماض لم يعد موجودا في الحقيقة إلا إذا رضينا ببقائه، وإنما يوجد مستقبلا ويكون واقعا بقناعاتنا نحن، ولذلك تنسج السرديات عن الواقع في العقول نسجا، وتحتاج لألف وسيلة لترسيخ خضوع العقل لها وتركه مسائلتها، ومن أعظم ما يكشف ذلك قراءة التاريخ

قالَ أبو بكر رضي الله عنه – كما في الصحيح- لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو به في صَلَاتِي، قالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أفضل الأمة دعاء يتمسكن فيه لله تعالى معترفا بظلمه لنفسه ظلما كثيرا، هذا وهو خير الأمة رضي الله عنه وأكملها إيمانا بعد نبيها صلى الله عليه وسلم

أما في فلسفة تأليه الإنسان المعاصرة، فيأنف الإنسان مهما كان مقصرا من أن يشير لنفسه بذنب، أو يحاسبها على تقصير، والويل لمن أشار له بذلك أو وعظه وحذره عواقب الذنوب التي تكاثرت النصوص في التحذير منها

فشتان شتان بين ذلك وبين من امتلأ قلبه بتعظيم الله وشهود التقصير في جنب تلك العظمة، فكان من الذين قال تعالى فيهم {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}، قالت عائِشةُ للنبي صلى الله عليه وسلم: أهم الذين يَشرَبونَ الخَمرَ ويَسرِقونَ؟ قال: لا يا بِنتَ الصِّديقِ، ولكِنَّهم الذين يصومون ويُصَلُّونَ ويتصَدَّقون وهم يخافون ألَّا تُقبَلَ منهم، أولئك الذين يسارِعونَ في الخيراتِ وهم لها سابِقونَ

فافهم أخي المسلم أن نفسية الاستحقاق وتعظيم الذات التي تغذيها الفلسفات الفردانية المعاصرة تنافي مقامات العبودية لله تعالى، وتدخلك في سلك اتباع الهوى والكبر والعياذ بالله، فخلص نفسك من هذا الدنس وتطهر منه، عافانا الله وإياك وأعاذنا من كل فتنة وشر

يعتبروننا مثل النازيين والإسلام مثل النازية ويصرحون بأنهم يريدون تغيير دين الإسلام في أبنائنا بالقوة مثل ما غيرت أفكار الألمان واليابانيين، وبعد ذلك يتوقعون منا الوئام والاستسلام التام ؟!

وهذه التصريحات الصريحة تختصر الكثير في كشف ما في صدورهم وفهم ما يفعلون وما ينوون

فرق بين من لا يستطيع ومن لا يريد

{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}

هذه الآية تكشف صفة فارقة بين المنافق وغيره، فقد يستوي هو والمؤمن في عدم الخروج، لكن لعجز المؤمن وعدم إرادة المنافق، والفرق هو في إتيان المؤمن بما يستطيع واستعداده

وهذه الآية معيار يحاسب به الإنسان نفسه، وقد دل الحديث على أن بداية هذا الفارق بين الفريقين يكون من حديث النفس، ففي صحيح مسلم : (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به؛ مات على شعبة من نفاق)

وهذه الآية وإن كانت في الخروج للغزو، إلا أن المعنى الفارق يمكن تعديته في كل عمل مطلوب شرعا لنصرة المؤمنين وولائهم، فلكل عمل مبدأ بالنية وواسطة بالاستعداد ونهاية بالشروع فيه والثبات عليه، وعلامة الصدق بداية ذلك في القلب وسريانه للعمل بقدر الاستطاعة

اللهم اجعلنا من الصادقين

الأوقات الصعبة أوقات ثوران للانفعالات، حتى إن الإنسان العاقل يجد من نفسه ما يستنكر في بعض اللحظات، ومن أنفع التدابير في هذا أن يتأنى الإنسان، فلا يتلقف كل فكرة تدور في باطنه، وقد تكون وسواسا يلقيه الشيطان ليغتنم فرصة الضعف التي سنحت، ومن رحمة الله أن مجرد الانتظار في كثير من الأحيان كفيل بتصحيح التفكير بعد مرور لحظات الانفعال، والتي لا تدوم للأبد

والأفكار الخاطئة التي تدور في الأذهان ويلتبس بعضها ليست بمستغربة على من يعيش واقع المسلمين هذا، فهو واقع متداخل تداعت فيه الأمم، وكثرت فيه الأفكار الغازية، والمناهج الباطلة، والسموم الفكرية، إضافة لأفق يبدو مسدودا على من يفكر في طريق الخلاص، وهذه الخلطة مثالية لتبنى الأفكار المنحرفة يمنة أو يسرة، والتي تبسط الواقع أو تبسط الحل وتبيع الوهم، أو ربما يقع اليأس والانتكاس

وهنا يبرز دور العبودية في ضبط البوصلة، ويبرز دور تصورات الوحي عن غاية الوجود ومنزلة الدنيا فيه من الآخرة، وضمن ذلك سنن الابتلاء والتغيير، والنظرة العلوية لتقلبات الزمان ضمن تلك السنن وطول مداها الزمني في كثير من وقفات التاريخ، والتي تنتهي بنهاية موعودة قد لا يدركها كل من عضته تفاصيل الأحداث، لكنه سيدرك من الآخرة ما يحقق موعوده الخاص

لنتذكر أن الغاية العظمى أعلى من هذا الركام من الآمال والآلام المؤقتة، ولنشمر سواعد الجد في الإصلاح لا لنهاية قريبة قد ندركها أو لا ندركها، بل لغاية تتضائل دونها كل الآلام، ومن عمل لذلك فلن يدركه خسران مهما بدا واقعه مؤلما

إن تراكمات الجهود في كل مسارات الإصلاح والتغيير المطلوبة شرعا ستؤتي أكلها في هذه الدنيا لا محالة، وتلك سنة الله، لكن الشأن في المستوى الفردي للعامل في هذه الدنيا، فهذا لم يكن مقياسا مطردا في يوم من الأيام، إلا إن كان بالمعنى الأوسع للثمرة التي تشمل السكينة والنصر المعنوي، فهذا يدركه كل من صبر لله وأحسن، والله لا يضيع أجر المحسنين

بهذا المنظور يستمر العمل رغم الصعاب، ويتراكم حتى يؤتي ثماره ولو بعد حين، وهذه النظرة العقلانية يعمل بها حتى الأعداء ممن قصرت هممهم على الدنيا، فهم يعلمون أن الخطط البعيدة والجهود التي يسلم فيها كل جيل لمن بعده نصيبه ، هي التي تقيم نهضات الأمم، وكم من أمة تبدل حالها بذلك والتاريخ لا يكذب، فكيف بمن كان عمله لله وهدفه ممتد لما بعد الدنيا، ووعده محقق بأمر الله لا محالة، فهو أحرى بالصبر والجد والتشمير وعلو الهمة لما فوق السماوات والأرض

والله المعين..

من كان يظن أن القصف الشديد محصور في غزة وأنه بدأ قبل أسابيع فهو واهم، الأمة تقصف في معنوياتها ووعيها وعقائدها، فقصف العقول نوع آخر من القصف التمهيدي الضروري لتحقيق النتائج للعدو، ولا نزال نتعرض له من عشرات السنين، ولا يستفزنا كما يستفزنا قصف الأجساد، وهذا لا يقلل من خطورة وشناعة ما يحدث الآن، لكن استجابة الأمة له مرتبطة بما سبقه من تمهيد والله المستعان

يعلل الله تعالى لغلبة المؤمنين لضعفيهم من الكافرين بأنهم لا يفقهون، وفي آية أخرى يخبر بأنهم يولون الأدبار، وأن قلوبهم شتى، وغير ذلك من الوصف الذي يبين تفوق المؤمنين ويجرئهم

وهذا المعنى النفسي جزء من الوعي الذي هو أصل النصر الحسي، لذا يحرص أعداء الله أن يمعنوا في القتل الهمجي لعلهم يفتوا في عضد المسلمين ويزرعوا فيهم اليأس ويقنعوهم بسردية عبثية الصراع

وتالله لو لم يكن في هؤلاء الكافرين إلا رداءة مللهم وقذراة حضاراتهم ونجاسة طريقتهم في الحياة، لكان ذلك سببا كافيا في أن نستعلي عليهم ونتبرأ منهم، ولو ذهبت الدنيا بما فيها في سبيل ذلك، ولن يضر كيدهم أهل العقيدة السليمة والموازين الصحيحة

وهم مستدرجون مخذولون وستكون عاقبتهم خسرا، والله من ورائهم محيط، ولن يقوم لمكر الله بهم شيء

المعارك الكبرى تدور في العقول والضمائر، والتابع تبع
واذا كان الأمر كذلك فبشريات الوعي عظيمة جدا، والفرق شاسع بين ما قبل هذه الآلام وما بعدها، ظاهر لكل من له أدنى متابع

تمرر تحت لافتة نصرة فلسطين كثير من الرؤى المخالفة للعقيدة وأحكام الشريعة، بل بعضها يكرس باستمرار وإصرار للمحتل لكن وفق صياغات تقاسمية تضحي بالبعض لأجل البعض، وهذا تنازل ممن لا يملك عن ما لا يملك، فالله هو الذي يملك الأرض ويورثها

: ﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف – ١٢۸]

ويقول : ﴿ وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّلِحُونَ ﴾ [الأنبياء – ١۰٥]

ومن صفة هؤلاء الذين وعدوا بالاستخلاف في الأرض ما أبان عنه بقوله : ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ﴾ [النور – ٥٥]

ومن صفتهم ما يكون منهم بعد تمكنهم وهو ما ذكره في قوله : ﴿ ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ﴾ [الحج – ٤١]

 

فينبغي التيقظ خاصة لطرح بعض القنوات التي تروج لنفسها على أنها مناصرة لقضية فلسطين وهي تدس هذا السم في وعي الناس

الحياة مركب في بحر، والإنسان يحرك أشرعته ليديره إلى أراضي طموحه، فإذا هبت ريح الأقدار كان الموفق من سلّم وأدار الأشرعة مراعيا ذلك، وأما من سلبه طموحه عقله فعاند الرياح وعاكسها فأشرعته مقطعة لا محالة، ولن يصل إلا لما كتب له

الطموح صفة حسنة، ولكنه بلا واقعية ولا إيمان بالقدر سبب عناء، وكل ميسر لما خلقه الله له، والموفق من كانت العبودية غايته الكبرى، وحينئذ سيجد لذلك ألف طريق

للهداية طريق الإنسان مطالب بمعرفته وتمييزه وسلوكه، وللضلالة طرق يجب عليه تجنبها، ومن قصر في ذلك وسلك طرق الضلالة لم ينفعه أن يحسب أنه على هداية

قال تعالى {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}

قال الطبري: وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعمَ أن الله لا يعذِّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسَبُ أنه هادٍ وفريق الهدى فَرْقٌ، وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية.

وقال السعدي: وفيه دليلٌ على أن الهداية بفضل الله ومَنِّه، وأن الضلالة بخذلانه للعبد إذ تولى ـ بجهله وظلمه ـ الشيطانَ، وتسبَّب لنفسه بالضلال، وأن من حسب أنه مهتدٍ وهو ضالٌّ فإنه لا عذر له؛ لأنه متمكِّن من الهدى، وإنما أتاه حسبانه من ظلمه بترك الطريق الموصل إلى الهدى

وعليه، فالمؤمن يخشى على نفسه من هذا الحال فيتفقد ويحاسب ويتثبت بالرجوع للمصادر الصحيحة والمنهج الشرعي، فنفسه لا تهون عليه ليسلك بها كل واد ويتبع بها كل صائح

الأحلام الكبيرة تحلو في البدايات، ثم مع تقدم العمر شيئا فشيئا تبدأ الأقدار في تحديد المسارات، فينكشف للإنسان حقيقة أن القدر هو مصيره، وأن أحلامه منها ما سيتحقق ومنها ما سيتعذر مهما فعل

ومن المهم هنا أن تكون العبودية هي الغاية الكبرى، فمهما ماجت الأحلام تبقى هي الحقيقة الثابتة التي تشعر الإنسان بأنه لم يضع، وأنه سائر في اتجاه نهاية حسنة مهما كانت إحباطاته، وأن لتلك الغاية خيارات كثيرة قد يكون بعضها مرادا له في مرحلة، ثم يتعذر أو ينكشف أن غيره أولى منه

وحقيقة العبودية تقتضي أن يستسلم الإنسان لقضاء ربه إذا نزل، ويعلم أن الخيرة في التسليم لما اختاره الله له، وبهذا يكون قد حقق الهدف الأعظم مهما كانت الأمور تسير على غير ما كان يخطط

جميل أن نحلم ونرتفع بالهمم، ولكن مع إدراك هذه الحقيقة التي تكسبنا المرونة والطمأنينة مهما حصل في هذه الحياة، والتي لا تخلو من آلام ومفاجآت غير متوقعة.. وتبقى الحقيقة ثابتة: العبودية.

لمحبي السوداوية وتشويه التاريخ :

التاريخ الإسلامي بما فيه من محاسن وإخفاقات هو في مداه الكبير منحنى صعود للبشر، يعرف ذلك من عرف الجاهلية، وأما من يظن أن في الحياة الدنيا نشاط بشري نزعت منه صفات البشر، فهذا يحتاج أن يتذكر أن الدنيا دار ابتلاء وأن الإسلام لم يأتي لاقتلاع طبيعة البشر بل بإصلاحها، ولم يأت لينقل الناس من دار الابتلاء والنقص لدار الجزاء والكمال قبل أن ينتهي الامتحان

ومن سنن الدنيا أن يظهر للفساد آثار بما كسبت أيدي الناس، ويظهر للعدل والصلاح آثار من بركة الطاعة، وطبيعة هذا التداول السنني تقتضي أن يظهر أثر ذلك في حركة التاريخ فيتلون بآثار الأحوال، ويعتبر الإنسان فينيب ويعتصم بحبل الله

للمنهج الباطل سمات تغني معرفتها عن معرفة كثير من التفاصيل، ومن أهم ذلك غياب المنهجية والرؤية التي تهدف إلى تقرير الحق

فإذا رأيت الشخص يشتغل في إثارة الإشكالات دون بناء رؤية شرعية صحيحة، اتضح لك فساد طرحه إجمالا، لأن الحق بناء لا مجرد هدم، ومنهج لا فوضى، فالحق يرتبط بغايات حميدة، والفوضى لا توصل إلى غاية حميدة

سئلت قريبا عن حساب ينشر إشكالات حول بعض الفتاوى والآراء الفقهية، ثم تبين لي بعد تصفحه أنه لا يملك رؤية شرعية ولا يهدف إلى دعوة من يتابعه إلى غاية حميدة، فهدفه التشكيك لأجل التشكيك

لذا تجد المحتوى عبارة عن شبه متناثرة لا يجمعها خيط ناظم إلا الهدم العام، وكأن الهدف هدم كل بناء شيده علماء المسلمين، ثم ترك المتابع بلا رؤية ولا منهج، بل إذا نظرت إلى مقاصد الدين الكبرى، لم تجد أيا منها حاضرا في الطرح، فأي وعي شرعي يمكن بناؤه والحالة هذه؟ مثل هؤلاء لا ينتظر منهم ذلك ولا ينخدع بهم عاقل يتأمل العواقب وبواطن الأمور

وحري بالمسلم أمام هذا النوع من المضلين أن يحفظ وقته عن تتبع ما يطرحون ومحاولة الرد التفصيلي عليه، فما بني على باطل فهو باطل، والعمر قصير وطرق الوعي والخير معروفة، وإثارة المغالطات والمبالغات والخلط أمر سهل على من لم يتصف بالتقوى، والباطل لا يحتاج لبناء محكم فيسهل التقيؤ به، فلم تقترب من تفاصيل القذارات وأنت تجد روائحها من بعد؟!

لا بد أن نستحضر أن المقاطع المرئية صارت صناعة تدر الدخل بحسب انتشارها، وهذا يدعو للحرص على الغرابة لتحقيق الإثارة، وفي بعض الأحيان يستدعي التبسيط أو حتى التسطيح

لذلك بتنا نواجه سيلا من المعارف المشوهة إن صح تسمية بعضها معارف أصلا، ومن هنا يجب أن نتصف بالوعي ونتذكر أن كثرة المشاهدات لا تعني صحة المحتوى، وأن قيمة المصدر تستمد من أدلته وأهلية من أعده، وإن بدا المصدر القيم للعامي صعب الفهم مملا، فعليه أن يتفهم الفرق بين التعلم والتسلية! وأن التخصصات وجدت لمساعدته وسيظل محتاجا لمشورة أهلها، ومن غير المعقول أن يتحول هو لفاهم في كل شيء بمتابعة المواد العامة

فهم النفس وما يعتمل فيها لا يستقيم دون وضع المؤثرات الغيبية في الاعتبار، مثل تأثير الشيطان، وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة منه لأن العبد ليس له قدرة على دفع شره بمفرده، مع كونه مكلفا بالحذر منه وعدم اتباع خطواته

إن أخذ هذه المؤثرات في الاعتبار هو من الشمول اللازم للتعامل مع النفس وتزكيتها، وهو من أثر الإيمان بالغيب، إذ لا يشاهد المؤمن الشيطان، ولكنه يعلم عنه ما يكفي من الوحي

وقل مثل هذا في الشرور الخفية كالسحر والعين، فأثرها لا ينضبط كما تنضبط الحسيات، ولكنه يدرك بخفاء ويعلم بيقين من خبر الغيب الصادق

وبمثل هذه الحقائق يتميز المؤمن بالغيب عن المتأثر بنزعة الغلو في التجريب الحسي

من قراءات سابقة في ما يعرف بالاجتهاد الجماعي الذي يمارس في المجامع الفقهية وهيئات الفتوى، كنت ألمس مشكلة في صياغة التوصيات والقرارات وأشعر بأن هناك فجوة بين الأبحاث والنقاش وبين المخرجات

ثم حصلت لي تجربتان كنت فيها قريبا من بعض التفاصيل، زادت شعوري بالإشكال، وأن هذه الهيئات والمجامع بحاجة لحوكمة صياغة المخرجات وإعمال مبدأ الشفافية حول طريقة صياغتها ومراحلها، وذلك أدعى لإبعاد تهمة الارتجال والاستبداد بالرأي أو حتى سوء الفهم والفوضى في اختيار المخرجات

وأعتقد أنه بغير المعايير والشفافية ستضعف جدوى تلك القرارات والتوصيات، وأرى شخصيا أنه في كثير من الحالات يكون من الاستخفاف بالعقل البحثي والجهد النوعي الذي يقدمه الباحث الجاد أن يصب في مثل هذه الملتقيات، لتتشبع به ثم تعجنه عجنا وتتجاوز ما فيه من جهد لتصير إلى ما يريده من يصوغ القرار وراء الكواليس!

لا يجوز لغير العالم أن يفتي نفسه ويجتهد ويقيس مسائل على أخرى، فهذا قول على الله بغير علم، ولا ينفع في ذلك وجود ثقافة ومعلومات عامة، فالاجتهاد مرتبة تقوم على منهج وأسس كثيرة واستيعاب لعموم نصوص الشريعة وقواعدها، ومن أصوله احترام قواعد الاستدلال والتزام الإجماع بعد معرفة الأقوال، وهذا لا يمكن أن يحصل بالثقافة والمعلومات العامة

طبيعة الأسئلة الوجودية عن سبب الخلق وغايته لاتدخل تحت نطاق التجريب وتطوراته الزمنية، بل هي غيب لا تصل إليه الحواس، ويحتاج العقل فيه لتحصيل اليقين بحقائقه على سبيل التفصيل إلى الخبر الصادق عن الخالق

وقل مثل ذلك في معرفة الصواب والخطأ من أخلاق وأفعال الإنسان، فهو أمر معنوي لا تتعلق بالفصل فيه الحواس، ويحتاج للعقل المسترشد بالوحي

لذا ستبقى حاجة الإنسان الأهم في العلوم متعلقة بالإسلام، فهو الضامن والمنطلق الصحيح لفهم الحياة وعيشها بمنهج صحيح تعظم به المصالح وتقل به المفاسد في الدنيا والآخرة، وما سواه مجرد وسيلة دنيوية إن تبعته في مقاصده وغاياته وإلا لم يكن نفعها أكبر من ضررها

من حين لآخر تلمع بعض الأحداث التي يمكن بالتأمل فيها معرفة خطورة تسطيح العقل وسرحانه بعيدا في نظريات المؤامرة

تفسيرات المؤامرة كثيرا ما تكون سطحية تعطل عمل العقل المطلوب في الرصد والتحليل المعقد، فيكون التفسير التآمري مماثلا للقراءة السطحية للوقائع، كلاهما يتجاوز جهد العمل العقلي الممنهج، إما بقبول السرديات الشائعة كما هي، أو بقبول التفسيرات التآمرية السطحية كما هي
انظر(اندومي مؤامرة !)

قد لا تشعر بقيمة الوقت بمجرد وضع الأهداف حتى تشرع في تنفيذها، فتدرك حينها غبنة ضياع الأزمان

قرأت قبل قليل مقالة يفترض أنها علمية منشورة بمجلة أجنبية معروفة، وإذا بها فقيرة المضامين، الكلام فيها يذهب ويجيء على معان معدودة، ربما كان من الممكن أن يعبّر عنها باختصار في تغريدة! والأدهى أنّها ممولة من جهة بحثية بأمريكا!!

داء الحشو والتضخيم هذا يبدو أنّه لم يعد حكراً على بعض الأكاديميين عندنا، بل يكاد يكون من سمات العصر – دع عنك ما يبدو وشيكاً من زيادة الظاهرة بسبب الذكاء الاصطناعي – ، حتى أنّه يبدو لي أنّ من الأعمال الصالحة في هذه العصر أن يحتسب الكاتب كسر قلمه لكي يحفظ أوقات الناس في القراءة والبحث بين أكوام من العناوين التي تستهلك وقته وجهده دون طائل يذكر..

ربما يجدي مع من لا يحضره استحضار الأجر ممن يسلم هذا النمط في الحشو.. أن يفكّر في منظره وسمعته والمتخصصين يقرأون له باشمئزاز، ويكفون ألسنتهم عنه تجنباً للغيبة، لكن قلوبهم تتأسف لحاله ولما أضاع عليهم من أوقات

الحاصل أن هذا المنشور ليس في وقته المناسب ونحن في أيام العيد ، لكن ربما يكون توقيته المزعج نوعاً من التعبير الضمني عن مدى الانزعاج الكامن وراءه.. أصلح الله الجميع ورزقنا الإخلاص والسداد

قضية المسلم الكبرى هي عبودية الله وما تقتضيه من الحياة لها والولاء والبراء فيها

تأمل محور الرسالات.. {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}

إنها عبادة الله بكل معانيها والكفر بالطاغوت بكل معانيه {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}

إنها عبادة الله بالمحبة والتعظيم المتغذّيان بمعرفته بالفطرة والوحي، وبمشاعر القلب خوفا ورجاء ورغبة ورهبة وتسليما، وبكل جارحة وقول يحبه تبارك وتعالى

ولأنها عبادة لا أي محبة، ولأنه الأحد، فإنك تأبى أن يجعل له ند في عبادته وأسمائه وصفاته، وتراه أعظم الظلم، فتوالي وتعادي بذلك

فإن فقهت ذلك انضبطت مواقفك وحركاته وسكناتك حتى يكون محياك ومماتك لله، فتُخلِص وتَخلُص فلا يسلط عليك شيطان وتحرق بنورك الظلمات

يقود التطرف غالبا إلى تطرف مضاد، وتتنازع الناس كثيرا ردود الأفعال، وكل يرى أنه يعتدل ويتوازن، وقد يصدق، لكنه يتوازن وفق رأيه وهو غير معصوم

والله عز وجل قد أنزل كتابه فصلا وهدى ونورا، وبعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليبين للناس ما نزل إليهم، أمرنا عند التنازع بالرد إليه وإلى رسوله لا إلى أمر ذاتي في أنفسنا أو خارجي ممن هو بشر مثلنا، إلا إذا كان علما يستنبطه من الوحي

وتحت ستار ردود الفعل والتوازن ترفع شعارات تنتمي لنظم مباينة لنظام الله تعالى، وتتشكل هويات مضاهية تحرف من يتلبس بها عن هدى الله عز وجل، ويروج ذلك حين يقدم كمخرج من التفرق وصمام أمان من التطرف، ويترك ما أمر الله به {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، فهو اعتصام بحبله لا كيفما اتفق

ليس للناس إذا منجى إلا بحبل الله، وليس لهم أمان إلا تحت {وكلمة الله هي العليا}، ولا اجتماع إلا بأن {ويكون الدين كله لله}، وليس في ذلك مثقال ذرة ظلم لأحد إذا فقهنا الدين حقا، {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، فهو علو بالعدل والرحمة والإحسان، لا علو طغيان وظلم، ولا تواضع استواء بين الحق والباطل تحت ستار عدل مزيف، ينظر لدنيا منفصلة عن حقائق الغيب والآخرة

كثيرا ما يكون الشكر أصعب من الصبر، والبلاء قد يدفع المرء للعودة إلى الله، فإذا رفع عنه البلاء { نسي ما كان يدعو إليه من قبل}

لما فتحت قبرص بكى أبو الدرداء رضي الله عنه.. نعم في موضع الفرح والنصر بكى، فقيل له ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره ، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى

هكذا يكون من غايته العبودية لله، يراقبه في كل الأحوال ولا ينفك عن خشيته والسعي لمرضاته {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}

نعم لله عاقبة الأمور، هو الذي يصرف الدهور، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الملك إنه على كل شيء قدير

أيها المسلم تأمل في معنى كلمة الإسلام، تجد أن صراعا مريرا يتوجه لهذا المعنى، ليبقى كل شيء ينسب للإسلام، إلا أن يكون تسليما للنفس لله وحده، بالتصديق التام للوحي في كل ما أخبر، والتسليم والتحكيم التام الخالص له في كل ما أمر، وما جوهر الإسلام إلا أن يكون الدين كله لله

لا يخدعونك بكلام حق يراد به باطل، فكل ما جاء به الدين روحه هذا الأصل، فإن بعثت فيه الروح نفع صاحبه، وإلا كان في حكم الأموات، فلا الأخلاق ولا القيم التي تسمى إنسانية تمثل حقيقة الإسلام إذا جردت من هذه الروح..

بل قد يتحول التركيز على هذه الجوانب – مع أهميتها – لوسيلة للصد عن حقيقة الإسلام، فتجد الحديث عن الإسلام يحضر فيه كل معنى فيه تحقيق لحقوق الإنسان واستمتاعه بالدنيا، ثم يغيب كل معنى يتعلق بحق الله أساس الوجود والاستعداد للآخرة وأنها الحياة الحقيقية

﴿ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور﴾
[لقمان: ٢٢]

تأمل كلمات الأذكار وأدعيتها النافعة الجامعة وما تتضمن من مطالب التوفيق والحفظ والأمان والخير.. ثم سائل نفسك : إذا كنا نعتقد أن الدعاء والذكر أسباب للتوفيق وصلاح الأحوال في الدارين، فلماذا لا نحرص عليها كما نحرص على الأسباب الدنيوية؟ هنا باب للتفكر في حال العبد ومحاسبته لنفسه.. أهو ضعف إيمان أو غفلة شيطان؟ والمهم أن تأتي بعد الفكرة اليقظة فيعاود السير وينشط