رسائل إلى الداعية

من حكمة الداعية عندما يواجه بمقولة تتضمن حقا وباطلا لجهل صاحبها أو عدم إحسانه للتعبير، أن يصحح له مقولته ببيان ما فيها من الحق وفك التباسه بالباطل، وبذلك يعينه على قبول النصح لكونه قبل بعض ما قدمه ورد الباطل منه
إن كنت واثقا بصحة ونفع ما لديك، فقدم ما ينفع وعد على نفسك بالمحاسبة، بدلا من تعطيل النفع بداعي أنك مقصر ولست أهلا لتقديم النفع، فنحن في زمان كثر فيه الغثاء والتضليل ونحتاج للمزاحمة..

قل الخير ثم إن وجدت التقصير قل لنفسك {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} .. وبهذا تنفع وتنتفع إن شاء الله

أجمل النفوس تلك النفوس التي تحمل هم الحق ونصرته، ومع أنها تعاني وتصبر وتصابر، إلا أن من ينظر من خارج المشهد التفصيلي ويتأمل في حال تلك النفوس وتفانيها سيأسره مشهد الجمال.. نفوس سمت للمعالي وتعالت عن السفاسف، وهانت عليها الصعاب في جنب الله.. فأي شيء أجمل من هذا
مطالعة وسماع سير العلماء من أصحاب الهمم والزهد والقيام لله سبحانه بما أمر، تنتشل الإنسان وتأخذه إلى المعالي وترفع همته، خاصة إذا طال به العهد عن تلك السير، وبات ابن محيطه لا يرى غيره ولا يزن حاله إلا بحاله، فحينها تهزه تلك السير لإفاقة تنفض عنه غبار الكسل، وتنهض به وتجدد عزمه ليلحق بالركب ويمكل المسير بعيدا عن نوم الكسالى وسفاسف العاطلين
من أجمل ما يتميز به ابن القيم رحمه الله أنه يدور في كتاباته مع معاني الوحي ويستشهد بكثافة بالنصوص، مع العمق في الفهم والعناية الخاصة بإبراز جمال النص وحسن معانيه، بحيث تعيش في حالة انبهار بكمال الإسلام وتشعر أن القلب يحلق مع العقل في آن

هذا هو الخير والله، والبعد عنه والاشتغال بغيره هو الحرمان، وإن تزخرف بالمصطلحات العصرية والبهرجة الثقافية ومضامين الترف الفكري، التي تشغل بالوسائل عن المقاصد

جعلت الشريعة للضروريات مكملات من الحاجيات لو انعدمت بالكلية لما قامت الضروريات، وللحاجيات كذلك تحسينات تكملها

يفيد معرفة ذلك في ضبط تصورنا عن تقديم الأهم، فنعي أن تقديم الأهم لا يعني إسقاط ما يحوطه ويسند قيامه، وإلا سقط

ومن صور القاعدة أنه لا بد لمن يشتغل بما يعم نفعه من شيء مما يخصه نفعه، كالتزود بالذكر والنوافل لمن يقوم بالدعوة والدفاع عن الدين، فإنه لو انعدم حظه الخاص من التزود لانهارت قوته وذهب نفعه العام

يقول الشاطبي:

“كل حاجي وتحسيني إنما هو خادم للأصل الضروري ومؤنس به ومحسن لصورته الخاصة، إما مقدمة له أو مقارنا أو تابعا، وعلى كل تقدير فهو يدور بالخدمة حواليه فهو أحرى أن يتأدى به الضروري على أحسن حالاته

وذلك أن الصلاة مثلا إذا تقدمتها الطهارة أشعرت بتأهب لأمر عظيم، فإذا استقبل القبلة أشعر التوجه بحضور المتوجه إليه، فإذا أحضر نية التعبد أثمر الخضوع والسكون، ثم يدخل فيها على نسقها بزيادة السورة خدمة لفرض أم القرآن، لأن الجميع كلام الرب المتوجه إليه، وإذا كبر وسبح وتشهد فذلك كله تنبيه للقلب وإيقاظ له أن يغفل عما هو فيه من مناجاة ربه والوقوف بين يديه، وهكذا إلى آخرها. فلو قدم قبلها نافلة كان ذلك تدريجا للمصلي واستدعاء للحضور ، ولو أتبعها نافلة أيضا لكان خليقا باستصحاب الحضور فى الفريضة

وفى الإعتبار فى ذلك أن جعلت أجزاء الصلاة غير خالية من ذكر مقرون بعمل، ليكون اللسان والجوارح متطابقة على شىء واحد، وهو الحضور مع الله فيها بالإستكانة والخضوع والتعظيم والإنقياد، ولم يخل موضع من الصلاة من قول أو عمل لئلا يكون ذلك فتحا لباب الغفلة ودخول وساوس الشيطان.

فأنت ترى أن هذه المكملات الدائرة حول حمى الضروري خادمة له ومقوية لجانبه، فلو خلت عن ذلك أو عن أكثره لكان خللا فيها، وعلى هذا الترتيب يجرى سائر الضروريات مع مكملاتها لمن اعتبرها

من المشاريع المهمة للمهتمين بمجال تعزيز اليقين لفت انتباه الناس لحجج القرآن على صحة أصول الإسلام، وهو موضوع محوري عظيم وثري في القرآن الكريم، ومن المهمات تدبره والوقوف معه والحديث عن مضامينه بالوسائل المعينة على وقوف عامة الناس عليها
من تأمل في القرآن وجد أن تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتصبيره على أعباء الدعوة وما يقع فيها من تكذيب المعاندين، هو من أعظم مقاصده التي تكرر كثيرا ما يحققها في كثير من السور والآيات، وبهذا يعلم أن القرب الشديد من القرآن هو ضرورة نفسية لمن يتصدى للدعوة والدفاع عن الإسلام وشرائعه

بذل النصيحة بأسلوب طيب لا زال يلقى قبولا عند كثير من الناس، والشيطان حريص على التثبيط، والحقيقة أن الخير لا زال ينبض في أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. وعلى كلٍّ، من ينصح يجد في نفسه انشراحا أيا كانت النتيجة
—–

 (انظر تعقيب)

تشدني صورة المسعف وهو يثابر ويضغط على صدر من توقف قلبه بجد ومثابرة وسرعة، لعل وعسى أن يثمر ذلك في عودة نبضه وأنفاسه قبل أن يفوت الأوان، وهو جهد أيما جهد، وياله من عمل شريف!

والحق أن الداعية والمصلح في استنقاذه الناس من الضلال وتمسكه بأسباب الهداية فيه شبه من ذلك، فنراه يحاول ويحاول رغم الصدود والإعراض أو الغفلة المستحكمة، ومع ذلك لا ييأس  ويطمع أن يظفر بنفَس الإيمان ونبضه، ليحيي بذلك ويستنقذ في الدنيا والآخرة، وذلك أعظم أثرا بلا ريب

قال تعالى: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} الآية، وقال في النوع الأول : {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}

وعلى الضد يسعى أشقياء الخلق في إماتة الناس بالقتل بغير حق أو بالإضلال والإغواء ومحاربة الهدى، لذا شرع الله مجاهدة هؤلاء بالنفس والعلم، وهو أيضا إحياء، فمن القتل ما يكون حياة، {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} الآية، وكم من نفس نجت بقمع باطل بعلم وبيان، {وجاهدهم به جهادا كبيرا}

وبين هذا وهذا مقامات يصب بعضها في أحد الفريقين، ومن أراد الإحسان إلى نفسه ورفعتها عرف أين يقف بقدر استطاعته