رسائل إلى طالب العلم
طالب العلم إذا أخلص وجدّ، وجد من الفرص لنفع الخلق ما لا يخطر على بال، خاصة إذا وجه طاقته العلمية في مشواره العلمي والدعوي إلى مناطق الاحتياج، وحينئذ سيتمنى شراء الأوقات بأنفس الأثمان
ولا شك أن الحاجة ماسة عنده للتأمل في الإمكانات والفرص والحاجات والأولويات، فليس من مشى في تعلمه وبذله كيفما اتفق له مثل من رصد وقدّر وسدّد، فليبصر طالب العلم هذه الزوايا في التفكير وليتسع أفقه لها وليبعد نظره ليكون اجتهاده وعطاؤه نوعيا
طالب العلم.. من الممكن جدا أن تكون محقا في قولك أين العلماء عن كذا؟
ولكن لو كنت بعيد النظر عالي الهمة.. فستشمر أنت لتسد ذلك الثغر وتكون أنت عالم الغد
لن أحرم عليك التألم فهو انفعال خارج عن قدرتك لواقع في أمتك، لكن كن دوائها المنتظر لا مصابها المحتضر، وما دمت شخصت الداء فاسع في تحصيل الدواء..
لا أنفع لطالب العلم من أن يدرك في صغر سنه كم هو في فترة ذهبية لتنمية معارفه ومهاراته واستثمار أوج طاقته قبل أن تتجاذبه المشغلات فيصبح في واد ويمسي في آخر ويتحسر على زمن مضى والله المستعان
تأمل : رب قطرة من الهوى أفسدت بحرا من العلم!
تدبر كيف جعل الله ﷻ مدار النجاة على خوف مقامه سبحانه ونهي النفس عن الهوى ، فقال تعالى {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى}
الشاطبي عن شيخه: وكان..أطلعنا على مكتوب..جوابا عن سؤال في يمين أفتى فيها بمراعاة اللفظ..فنازعناه فيه في ذلك اليوم وانفصل المجلس على منازعته..
تعليق :
من صفات العالم المربي مباحثة تلاميذه وإعطائهم المجال للتفاعل معه بما قد يصل لما عبّر عنه الشاطبي بالمنازعة، ممايوحي أنها لم تكن مجرد أسئلة خجولة يؤخذ جوابها تلقياً وينتهي الأمر!
طالب العلم هو مشروع عالم، وهكذا ينبغي أن يعامل.. نعم هو أحوج ما يكون لإدراك أن أمامه طريق طويل ومحاولته حرق المراحل قد تحرقه، لكن دون أن يخل ذلك بطموحه وتطوره وتنميته لملكاته، فالأمر بين إفراط وتفريط، وبين تحطيم وقفز!
مطالعة وسماع سير العلماء من أصحاب الهمم والزهد والقيام لله سبحانه بما أمر، تنتشل الإنسان وتأخذه إلى المعالي وترفع همته، خاصة إذا طال به العهد عن تلك السير، وبات ابن محيطه لا يرى غيره ولا يزن حاله إلا بحاله، فحينها تهزه تلك السير لإفاقة تنفض عنه غبار الكسل، وتنهض به وتجدد عزمه ليلحق بالركب ويمكل المسير بعيدا عن نوم الكسالى وسفاسف العاطلين
لا شك أن التركيز والجهد المتواصل ضمن السياقات المتعلقة مهم لحل المشكلات البحثية وغيرها من المشكلات
ولكن قد يلوح الحل أحيانا بعد فاصل يخرج فيه العقل من السياقات ويفكر بزوايا جديدة ونفسية جديدة وسياق مختلف.. وهذا نوع مما يحصل بالمشاورة، فهي تعطينا زوايا جديدة من عقل آخر لم ينحصر في السياقات المعهودة لصاحب المشكلة
بحث النوازل بالرجوع لتراث الفقه مباشرة دون توسط الكتابات الحديثة يكشف عن حركة نمطية في البحث المعاصر، وهي تعمق بعض البحوث في التراث ابتداء ، ثم يتبعهابحوث تالية لا تتعمق وإنما تنقل وتجمع وتقتصر في الغالب في التحليل والمقارنة على البحوث الحديثة، فيتوهم الدارس ممن يريد استكشاف ما كتب في المسألة أن المسألة قد قتلت بحثا، وربما قرر أنها مشكلة لا أمل في كشفها! لكن لو كسر الحاجز وقام بالرجوع المباشر الواسع المعمق ، فإنها تتكشف ثغرات في البحوث الأولية تساعد كثيرا في تحرير النازلة .
إن الثراء في التراث الفقهي الإسلامي مهول لمن أعطاه وقتا وجهدا كافيا، والفهم الجيد لمآخذ الفقهاء المتقدمين مع الاهتمام بمقاصد الشرع يثمر الروائع ، ومن المؤسف أن هناك الكثير من السطحية والنمطية في البحث المعاصر في النوازل وضعف في سبر التراث الفقهي والصبر على دراسته وتحليله والتخريج عليه، وأزعم أن الهمم لو توفرت والجهود بذلت والنمطية كسرت لتمكن البحث الفقهي المعمق من حل كثير من النوازل المعقدة وتقديم حلول مبهرة لواقع المسلمين
إضاءة :
يقول #الشاطبي ناصحا طلبة العلم : “أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد، فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين، وأصل ذلك التجربة والخبر”
قول الله تعالى:{ولا تَعجل بِالْقُرْآَنِ مِن قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}
(فيه أدبُ طالب العلم، وأنَّه ينبغي له أن يتأنَّى في تدبره وتأمُّله للعلم، ولا يستعجل بالحُكم على الأشياء ولا يُعجب بنفسه، ويسأل ربه العلم النافع والتسهيل)
فتح الرحيم السعدي ص167
قال البخاري في صحيحه (باب الخروج في طلب العلم، ورحل جابر بن عبدالله مسيرة شهر إلى عبدالله بن أنيس في حديث واحد)
يا لله العجب!
مسيرة شهر، في سبيل تحصيل حديث واحد!!
هل تصورت معي مقدار العناء والجهد والمشقة في سفر تمتد مسافته مسيرة شهر!
ومن المسافر؟ هل هو طالب علم مبتدئ؟
هل هو تابعي يتلهف على مقابلة أي شخص صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
إنه جابر بن عبد الله الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا كثيرا وصحب رسول الله في سفره وإقامته..
إنه جابر..
كثرة الكتب تشعر الناظر فيها بقصر العمر، فهو قطعا لا يتسع لقراءة ما اقتنى منها فضلا عن الذي لم يقتني، وما أحوج العبد للتوفيق إلى استغلال الوقت في الأنفع
أما الأوقات التي تذهب هدرا في عمر الإنسان لا يتعلم ولا يعلم غيره ولا يعمل بعلمه، فيا حسرتاه عليها، وما أحوج العبد إلى أن يشعر بقيمتها ويوفق لحفظها
حقا لقد استحكمت غفلة فوق غفلة على كثير منا إلا من بصره الله ومنّ عليه بتوفيقه، فإذا كان صرف العمر في نافع غيره أنفع منه خلاف الأولى، فكيف بضياع العمر في غير نفع..
عمر محدود وعاقبة مجهولة ويوم أمامنا من أسمائه يوم التغابن.. فاللهم توفيقك وعنايتك ورحمتك
قرأت قبل قليل مقالة يفترض أنها علمية منشورة بمجلة أجنبية معروفة، وإذا بها فقيرة المضامين، الكلام فيها يذهب ويجيء على معان معدودة، ربما كان من الممكن أن يعبّر عنها باختصار في تغريدة! والأدهى أنّها ممولة من جهة بحثية بأمريكا!!
داء الحشو والتضخيم هذا يبدو أنّه لم يعد حكراً على بعض الأكاديميين عندنا، بل يكاد يكون من سمات العصر – دع عنك ما يبدو وشيكاً من زيادة الظاهرة بسبب الذكاء الاصطناعي – ، حتى أنّه يبدو لي أنّ من الأعمال الصالحة في هذه العصر أن يحتسب الكاتب كسر قلمه لكي يحفظ أوقات الناس في القراءة والبحث بين أكوام من العناوين التي تستهلك وقته وجهده دون طائل يذكر..
ربما يجدي مع من لا يحضره استحضار الأجر ممن يسلم هذا النمط في الحشو.. أن يفكّر في منظره وسمعته والمتخصصين يقرأون له باشمئزاز، ويكفون ألسنتهم عنه تجنباً للغيبة، لكن قلوبهم تتأسف لحاله ولما أضاع عليهم من أوقات
الحاصل أن هذا المنشور ليس في وقته المناسب ونحن في أيام العيد ، لكن ربما يكون توقيته المزعج نوعاً من التعبير الضمني عن مدى الانزعاج الكامن وراءه.. أصلح الله الجميع ورزقنا الإخلاص والسداد
يحتاج طالب العلم أن يجعل العبودية أعظم المقاصد وأمها، يتبعها كل ما سواها، وهذا يقتضي أن يكون الأولى بوقته وجهده الأوجب والأحب لله تعالى، فإن كان في طلب العلم فذاك، وإن كان في أمور أخرى أوجبها عليه العمل بالعلم، فذاك حتى لو أثر على الاجتهاد في الطلب، فالعلم يراد للعمل عبودية لله تعالى
يريد صاحب الهمة أن يبلغ منزلا عاليا في العلم يستغرق للوصول له كل وقته، وربما رسم صورة جميلة لنفسه بعد سنوات الطلب، فربما يجد مهمات أخرى تنازعه الوصول لتلك الصورة، فإن كان قد فقه العبودية، فلن ينزعج كثيرا، لأن طريقها هو في ما هو أحب وأرضى لله، حبا له سبحانه وتعظيما وتسليما
ولذا فمن المهم استحضار فقه الأولى، وهذه مادة سابقة لعل فيها فائدة:
أحدث التعليقات