رسائل الحب
كثيرا ما يوصى في العلاقات بالتماس الأعذار وإحسان الظن وحمل الكلام والمواقف على محامل حسنة، وهذا مهم جدا..
لكن يبدو لي أن الإنسان يحتاج للاحتمال وتغليب المحاسن، فقد عرفت بحياتي أناسا سعدت بهم واستفدت منهم، رغم جوانب يسيرة لا أظن أن لها مخرجا أو تأويلا، إلا أنهم بشر مثلي! لدينا نقاط ضعف وعيوب، ونخطئ بل قد نسيء
قد تظن أخي القارئ أن القصد هو احتمال من أنت مضطر للتعامل معه، وليس هذا مرادي، بل الذي أعني أنك ستجد من لو أخذته بذنب حرمت من فيوض محاسنه، وكما قيل :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد
جاءت محاسنه بألف شفيع
وربما تكون أخوة مثل هذا أرجى في الإخلاص من غيره، لأن داعي الطبع يدعوك لأخذه بذنبه وترك التقارب منه، ولكنك تغلب الحسنة خاصة إن كانت في طاعته لله، ثم لا تلبث ان تنقلب مغالبتك لهواك إلى لذة، فأنت تلمح في احتمالك رجاء أنك أصبت عملا فيه إيثار لمحبة الله تعالى، ثم لا يلبث الود أن يستحكم في الله تعالى إذا وفقت لنية خالصة
في القرب من الله الولي الحميد كل العوض، ومهما بدا لك في غيره عوض فليس ذلك بكاف ولا شاف على الكمال، فكل ناقص تنزل به حاجتك وتطلب فيه عوضك سينعكس نقصه على حاجتك، فلا تجد فيه شفاءك على التمام مما فقدت..
كلهم يمرض أو يُعرض، يموت فيفوت، فلا تعلق قلبك ولا تطلب تمام عوضك وشفاء أجراحك عندهم، واجعل قلبك نزيلا بباب المعطي الوهاب، الحي القيوم، الرحمن الرحيم، الذي يتجاوز عن المسيء ويغفر ويستر العيوب..
ربنا لا تحرمنا فضلك واغننا بفضلك عن سواك
هل استشعرت أنك تستطيع قول شيء يحبه الله؟ فتكرره مرارا لمعرفتك أنه يحبه.. تكرره شوقا وتلهج به إرضاء له، وأنت تعلم بخبر الصادق أنه يحبه
قال صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيح – : (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)
آية قرآنية تتأثر بها
{الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}
تشعرك بمحبة الله لأوليائه وعنايته بهم فتتمنى أن تكون منهم.. فمن نال هذه الولاية نال كل خير ولم يضره شيء ، ومن حرمها حرم الخير ولم ينفعه شيء
من الحقائق التي يهز استشعارها القلب فرحا: أن رضا الله غاية تدرك، وأنه قريب مجيب، وأن محبته للعبد تنال، وأنه فتح باب التوبة على مصراعيه، وأكد على المسرفين خاصة فضلا عن غيرهم ألا يقنطوا من رحمته! بل لما ذكر أشنع المقالات وهي قول النصارى أنه ثالث ثلاثة قال بعد بيان كفرهم وتوعدهم : {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه}
وقد يكون بينك وبين هذه المحبة عمل صالح تبتغي به وجهه أو كلمة تقولها من رضاه، بل قد يكون ذلك بشعور في قلبك من تعظيمه ومحبته وحسن للظن به وشوق إليه ورجاء لما عنده وخوف من غضبه وعقابه
وهذه الحقيقة إذا حضرت في قلبك حركت مشاعرك وهيجتك للقرب وأسبابه، وهانت عليك الصعاب إن وجدت، مع أنه مع كرم الله تعالى يتيسر الطريق ويعان عليه الصادق، ولو عرض فيه ما عرض مما يزيد القرب ويرفع المنزلة
كثير من الخيرات تفوت الإنسان بسبب عدم تجاوزه عقبة البداية في التعبد، فالتعبد أيا كان يبدأ في كثير من الأحيان بعقبة شعورية من الثقل، إذا تجاوزتها فتح لك باب على مساحات متعددة من الجمال، تحمد على إثرها أنك لم تقف
تجاوزك لتلك العقبة بشيء من المجاهدة، يمكنك من استشعار نظر الله إليك وأنت في عمل يرضيه، فتغشاك مهابته، ويمكنك من استشعار نعمته عليك بأن وفقك لهذا العمل فتغشاك محبته، ويمكنك من استشعار حسن العاقبة وعظم الأجر فتشعر بالرجاء..
وهكذا تتابع عليك أحوال قلبية هي في ذاتها عبادات، وتدور العجلة فيطير القلب بأحوال تخرج به من ضيق الدنيا وسجنها إلى سماوات الطمأنينة والفرح بالله تعالى
والإنسان إذا أكرمه الله تعالى بالتوفيق فعليه بالشكر وزيادة الاستثمار، وعليه أن يحذر وهما كبيرا، وهو أن هذا التوفيق محصور في مواسم معينة واوقات استثنائية، فالحقيقة هي أن أبواب الذكر والصلاة والإحسان للخلق وغيرها من وجوه العبادات مشرعة في كل الأوقات، فيتقلب بينها الإنسان، ويرتقي حتى يحول مباحاته إلى نوع منها بحسن القصد والاحتساب
نعم ستقع الغفلة أحيانا، ولكن هذا أيضا يوجب له الانكسار والافتقار وتجديد التوبة ومعرفة النعمة بشهود الفرق بين حال الغفلة وضعف النفس فيها، وألا مخرج لها ولا مفر من الالتجاء والانطراح بعتبات العودة، والتي تبقى دائما مراقي للفرح بالإنابة، وتلك قصة أخرى تشع فيها ألوان الكرم الزاهية
نسأل الله أن ييسر لنا اللحاق بركب المحبين، ولا يجعل حظنا منه الكلام عنه من بعيد..
في رحاب الحب الصادق
قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.
#تدبر {يحبهم ويحبونه} , ما أحسنها من منقبة وما أوسعه من فضل, وكم في آية{يحبهم ويحبونه} من فوائد, فمنها:
🔹 أنّ لله قوما يحبهم ويحبونه, وأنّ تلك أشرف محبة ينالها العبد ويعيش بها, وأنّ تلك المحبة توجب حصول العبودية منها ومن التعظيم, فالعبودية مبنية على غاية الحب ومنتهى الذل للمولى سبحانه, وعلى المحبة والتعظيم تقوم العبودية.
🔹ومما توجبه المحبة محبة القلب لما يحبه الرب سبحانه, وبغضه لما يبغضه, حتى يتصف بالذلة لأوليائه المؤمنين, والعزة على أعدائه الكافرين..
🔹ومن الفوائد أن الملامة على من {يحبهم ويحبونه} كثيرة, فإنهم اتصفوا بصفات توجب الخروج عن الهوى وحطام الدنيا والفرار إلى الله وسعة الآخرة, والاتصاف بذلك صدقا والصبر عليه لا ينال إلا بفضله الواسع, وهو أعلم بمن يستحقه { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.
🔹فصدق المحبة يوجب صدق جعل المحبة والبغض لله, وقد يدخل على الإنسان في بغضه مراد آخر فتمتد عزته على إخوانه, أو ذلته إلى أعدائه, وقد يدخل عليه في جهاده مراد آخر, فيكون لعصبية أو جاهلية, وكل ذلك ينافي صفة الذين {يحبهم ويحبونه}, وقد يكون في قلبه مزاحمة لمحبة الله, فيخاف لوم اللائمين في أمره, وهذا المقام يتميز فيه المحب الصادق, نسأل الله أن يبلغنا أن نكون ممن {يحبهم ويحبونه}.
فهذه الآية من عرض عليها نفسه ذهبت عن قلبه غشاوة الغرور, وبانت له حقائق الأمور, فاللهم لطفا بنا وسعة فضل تدخلنا بها في رحمتك وتجعلنا ممن تحبهم ويحبونك. وصلى الله على نبينا محمد.
أحدث التعليقات